ما بين مفهوم الضرائب ومابين مفهوم تحديد حد أدنى للأجور كما بين المشرق والمغرب سواء بالنسبة للفلسفة الإنسانية أو الفلسفة الاقتصادية. الضرائب من أكبر عوائق تقدم الاقتصاد فهي ترفع كلفة الإنتاج من جهة وتخفض من رفاهية الإنسان بتقييده عن الاستهلاك من جهة أخرى. لذا فلا يُنادى بزيادة الضرائب فوق ما تحتاجه الدولة إلا على مجتمع اقتصادي متطور ذي إنتاجية عالية وعلى مجتمع مسرف للحد من إسرافه الاستهلاكي. وبما أن الدولة الآن ليس في حاجة ماسة إلى الضرائب وبما أن المجتمع الاقتصادي في بلادنا لم يصل بعد إلى مرحلة اقتصادية متطورة تستوعب زيادة الضرائب وبما أننا ما زلنا نملك من الأدوات ما نرفع به الإنتاجية وندر به دخلا على خزانة البلاد (ألا وهي أداة رفع أجور المواطنين السعوديين العاملين في القطاع الخاص)، فإنه يجب أن نتنادى ونتباحث في مسألة رفع مستوى الأجور للعامل السعودي بدلا من الدعوة لزيادة الضرائب (وإلغاء الإعانات نوع من الضرائب).
جوهر فلسفة الضرائب على المجتمع هو استخدام عوائدها في خدمة المجتمع، وهي في معظمها تؤخذ من الغني وترد إلى المجتمع كله في توزيع يجب أن يفوز فيه الفقير ومتوسط الدخل من عوائد الضرائب بنصيب الأسد. ونحن في السعودية (إن لم نتدارك الأمر) سائرون في النفق المؤدي إلى تشكيل طبقة فقيرة كبيرة مما سيشكل وجودهم ضغطا على موارد الدولة التي ستصبح مسئولة عنهم في جميع مجالات الحياة مما سيلتزم منها رفع الضرائب لتغطية هذه الكلفة. ومما يزيد الأمر سوءا أن هذه الطبقة -بانتشار البطالة فيها وضعف إنتاجيتها- لن تقدم شيئا للمجتمع الاقتصادي.
حل هذه المعضلة هي في تحديد حد أدنى لا يقل عن 5000 ريال سعودي في بعض قطاعات العمل (كقطاع التجزئة) مما سيجذب كثيرا من أفراد هذه الفئة إلى سوق العمل ويرفع من إنتاجيتهم وسيقدمون خدماتهم إلى المجتمع في شكل ضريبة عكسية مجانية. وشرح العبارة الأخيرة يقع في أن السعودي ذو دخل شهري لا يتجاوز 5000 ريال هو فرد مستهلك لدخله بالكامل مما يعني أنه سيصرفه بالكامل داخل المجتمع الاقتصادي السعودي. فلو نظرنا إلى المجتمع الاقتصادي ككل، فإن السعودي الذي يعمل بالحد الأدنى من الأجور (5000 ريال) مقابل خدمته في سوبر ماركت مثلا سيصرف الخمسة الآلف على منتجات السوبر ماركت وما شابهها من قطاعات التجزئة التي يعمل بها السعوديين وغيرهم. إذن فكلفة العامل السعودي هي ضريبة مجانية على المجتمع في كلفتها وفي صرفها لأنه سيصبح مجرد نقطة لتدوير الأموال في المجتمع (من جيبك هذا إلى جيبك الثاني) وهي ضريبة عكسية لأنها ستحفز على زيادة الإنتاج والنمو المحلي والذي سينتج عنه تخفيض الكلفة العامة ليمحو آثار كلفة زيادة أجور السعوديين، بينما العامل الأجنبي هو نقطة تصدير الأموال -والتي استحقها بعمله- إلى خارج البلاد.
إن مما سكت عنه أن البعض يسعى إلى خلط الأوراق، فقطاع التجزئة مثلا يجب علينا كمجتمع واع أن نتقاسم كلفة أجور السعوديين المرتفعة وأن نصبر فيه على قلة مهارة أبنائنا فيه والتي ستتحسن بالحوافز المالية، ولكن قطاع المقاولات والصناعة لا يحتمل رفع الكلفة وقلة المهارة. وفرض السعوديين عليه في الفترة الحالية هو شلل له وللطفرة الاقتصادية. وخطط سعودته هي خطط إستراتيجية تحتاج إلى عقود من الزمن، سيسبق السيف فيها العذل إن قعدنا متفرجين حتى تظهر نتائج هذه الإستراتيجيات.