تنفسنا الصعداء صائفة هذا العام، بعد جهد جهيد وعناء شديد، من تكرار انقطاعات مياه الشرب في مدن ومحافظات منطقة مكة المكرمة. حمدنا الله كثيراً قبيل شهر الصوم، بعد أن تلاشت طوابير الانتظار على أشياب وخزانات مياه الشرب، وسكت فجأة هدير الفناطيس التي كانت تؤز
أسماعنا أزاً، وتتحكم في العطاشى داخل المدن وخارجها، حتى تضاعفت أسعار الفنطاس الواحد إلى مرات ومرات، وحتى لم يكن لنا من حديث في مجالسنا طيلة سنوات خلت، إلا الماء الذي لم يسلم الخروف من الاتهام بشربه في إعلان شهير..!
تنفسنا.. وليتنا لم نتنفس كثيراً، لأن تنفسنا هذا لم يدم طويلاً، وفرحتنا ما تمت ولم تكتمل إذ ما لبثنا أن دخلنا في دوامة جديدة اسمها (الكهرباء). كأننا في هذه المنطقة، على موعد دائم مع المعاناة من شركات الماء والكهرباء، وكأن أصواتنا التي بحت، لا تصل إلى المسؤولين في وزارة اسمها (وزارة المياء والكهرباء). والقصة أيها السيدات والسادة، أنه ما إن بدأت مساكن الناس في مكة وجدة والطائف وما حولها، تستقبل مياه الشرب في مواعيد شبه منتظمة، ثم يتوقفون برهة عن الكلام في شأن ماء الشرب، حتى حطت عليهم حِطة من سعير فواتير الكهرباء الجنونية.
الحِطة هذه بدأت مع شهر الصوم المبارك. تحول كثير من فواتير الكهرباء المخصصة منذ سنين طويلة للوحدات السكنية، والتي كانت على فئة (سكني)، إلى فواتير لوحدات سكنية على فئة (تجاري).. تحول مفترض..هكذا والله..! وتضاعفت أسعار هذه الفواتير حتى ضربت أرقاماً قياسية غير معتادة.
أتحدث إليكم عن واقع أعيشه شخصياً ويعيشه آلاف الناس الذين تضرروا من هذه (اللخبطة) العجيبة في نظام فوترة شركة الكهرباء في هذه المنطقة. فاتورة لوحدة سكنية شبه مقفلة طيلة الشهر، لا تزيد في العادة عن (35 ريالاً)، تتحول في شهر رمضان إلى فئة (تجاري)، وترتفع المطالبة من (35 ريالاً) إلى (365 ريالاً)..! ثم تصدر في شهر شوال على أنها (تجاري) كذلك وبمبلغ مضاعف عشر مرات عن المعتاد. وشقة أخرى في العمارة ذاتها مسكونة، تتحول في شهر رمضان إلى فئة (تجاري)، وترتفع المطالبة من (250 ريالاً) تقريباً في المعتاد، إلى 1250 ريالاً..! وفي الشهر الذي يليه كذلك، وهناك مئات وآلاف النماذج في مكة وجدة والطائف مثل هذه وأكثر. ومع أن الناس اصطفوا على أبواب شركة الكهرباء شاكين متظلمين كما كانوا يفعلون أيام أزمة المياه، إلا أن الوضع ما زال كما هو دون تغيير، والناس أصيبوا بالأذى في أرزاقهم، وظلموا من هذه الشركة، ولم نجد أي تدخل من وزارة المياه والكهرباء، ولا حتى تفسير أو تبرير لما وقع ويقع على المشتركين، الذين ليس أمامهم إلا التسديد أولاً، وإلا فصل التيار وإحلال الظلام محل النور.
ما هذا الذي يجري بالضبط..؟ لم يعد اليوم من حديث للناس، إلا الكهرباء وفواتير الكهرباء، وما يتعرضون له من تخبط وتحويلات في مسارات الخدمة الكهربية، بدون مبرر ولا وجه حق يذكر. هل هي سكنية أم تجارية..؟ وكيف يجري مساواة اشتراكات الشقق المخصصة للسكن بالمحلات التجارية؟ وكيف تحسب التعرفة التي أصبحت في هذه الحالة تضرب في عشرة أضعافها ؟ ومتى تصلح الشركة هذا الخطأ إن كان خطأ بالفعل ؟ ومن المسؤول عن هذا الضرر الذي لحق بالمشتركين ؟ وهل سوف تعيد الشركة ما استقطعته من أموال المشتركين بدون وجه حق؟ ومتى وكيف ؟ وما علاقة (سيستم) الفوترة بهذه (البرجلة) التي أعادت طوابير التظلم إلى مرفق تديره وتشرف عليه وزارة المياه، مذكرة بطوابير مياه الشرب قبل ثلاثة أشهر..؟
مثل ما قلت أعلاه.. فإن الحديث اليوم هو حديث الكهرباء، والخوف القادم أن تفعل شركة المياه الجديدة غداً، مثل ما فعلت وتفعل شركة الكهرباء اليوم، وحتى لا نعلق كل سوءاتنا على (أنظمة الفوترة التقنية) الجديدة، التي لا نعرف ظروف تفضيلها على غيرها - كما فعلت من قبل شركة الاتصالات - ينبغي أن ننتبه إلى أن هذا كله يمكن أن يدخل في باب الغش والخداع، وأكل أموال الناس بالباطل، حتى لو عُدّ هذا خطأً ونسب إلى آلة تشغيلية، فالشركات كبيرها وصغيرها يجب أن تلتزم بأنظمة الدولة التي منحتها الامتياز، وخولتها حق الخدمة وفق عقود وبنود وشروط لا تسمح لها بالإضرار مهما كانت الظروف.