ومن المضحكات المبكيات، أن الإنسان يتوهم، ويغرق في أوهامه حتى يصدقها..ومتى ما صدقها عاش في مداراتها، يتوهم المرض, فيشعر به في أنحاء متفرقة من جسده، حتى إذا ما صدق وهمه، مرض بالفعل لأنه أعطى مؤشرا أخضر للمرض, ليتسلل أولا لإحساسه، ومن ثم لأعضائه...
ويتوهم الحسد، فتلاحقه أوهامه فتفكيره، فيمن حسده، حتى إذا ما تمكنت الفكرة وتجسدت في حسه، بات يتخير, وينتقي من حسده، فذلك، ربما يكون، وهذا، بالتأكيد هو، وفلان، يحوم الشك فيه،...وكل أولئك بريئون من وهمه.., غير أن وهمه، يطرحه فراشا، يتقلب ليله ونهاره، إما مبطونا، إن كان من أصحاب الوزن الثقيل، لأن أحدهم رآه يأكل «فنضله»، أو مصدعا، لأن من يغار من رجاحته، وعلمه، ومعارفه، قد استكثر عليه مواهبه.., أو مصابا في قدمه، فواحدهم قد رماه بشظية من بصره، لتمتعه بسرعته ونشاطه، أو مبتلى في ماله، أو عمله، فيكون الحاسدون له جشعين، ومنافسين...فأصابوه في ماله.., وخيبوه في مصدره..
ويتوهم الفقر, كل جشع، فيعيش في حالة, من وهم الفقر.., وهو يكنز ماله، ولا يحدث بنعمة الله عليه، لا في نفسه ولا فيمن حوله..
ويتوهم الجاه، وجيبه خالية، فتنتفخ أوداجه، من يصدق وهمه، فيتضخم الإحساس به في نفسه، وإمعانا في وهمه بالجاه, يذهب للاستدانة، أو للابتزاز، ليغطي نفقات الوجاهة...,
والواهمون كثر..
هم على أنفسهم نذير شؤم، أكثر مما هُم على غيرهم،..
بينما هم في مجتمعهم علامات مرض، ومؤشرات تخلف...
هؤلاء بلا ريب يستحقون في قليلٍ، الشفقة عليهم..
لكن الأكثر, هو أنهم بحاجة لمصحات نفسية، ومعالجات جادة..
فإن تعددوا، وكثروا, وغدوا ظاهرة، فإنهم لا محالة، سيجعلون الحياة تعرج بقدم واحدة..
وسيجعلونها بلون داكن، إذ تغدو بهم فضاءً ملوثا..
ليست تشهق فيهم الصدور هواء صحيا، فصدورهم تزفر رذاذ أوهامهم...
وليست الحياة بهم صادقة.., إذ يلوَّنها الكذب نتيجة الغلو في الأوهام..، والتمادي في ممارساتها..
مضحكة هي الوقائع بوجودهم..
ومبكية هي الحقائق لانتشارهم...