بداية لابد من التسليم بأن نواميس كرة القدم هي مزيج من عدة عوامل ومعادلات لا يمكن خروج نتائجها عنها سواء رضينا أم أبينا.
وأن ثمة من الأسباب والمسببات ما يؤدي -سواء بقصد أو بدون قصد- إلى أيلولة الأمور في كثير من الأحيان إلى اتجاهات قد تبدو في نظر المتابع العادي غير معقولة.
وبما أننا نعيش هذه الأيام أجواء خروج الهلال والشباب من نصف النهائي الآسيوي.
ولأن الكثير من المعطيات كانت تصب في صالح الهلال تحديداً لاعتبارات تتعلق بكون المباراة المصيرية تقام على أرضه ووسط جماهيره الغفيرة والوفية.. هذا عدا الميزة المتمثلة بضعف نتيجة مباراة الذهاب (1-0) وبالتالي إمكانية التعويض في الرياض.. لهذا سيكون تناولي مقتصراً على الجانب الهلالي.. فأقول مستعيناً بالله:
إن من أهم أسباب إخفاق الهلال في مهمته أمام الفريق الإيراني المجتهد يوم الأربعاء، وظهوره بذلك المستوى الغريب، ما أدى إلى خروجه من المنافسة بتلك الصورة رغم الاجماع على كونه المرشح الأبرز لتحقيق اللقب وليس مجرد تجاوز دور الأربعة وذلك عطفاً على ما يمتلكه من مقومات هائلة قياساً على المنافسين.
أقول: رغم أنني أنتمي للإعلام.. إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن من أهم الأسباب فيما حدث.. إنما يعود بالدرجة الأولى إلى تعاملنا الإعلامي (المستحدَث) مع مناسباتنا الرياضية الكبرى (؟!!).
فقد بات واضحاً بأن الإعلام الرياضي أضحى أكثر حرصاً على خدمة نفسه قبل التفكير في مصالح الأندية المستهدفة.. وفي سبيل ذلك نراه يعمل بكل قوة تبلغ أحياناً مستوى الأنانية المفرطة في تغليب مصالحه دون النظر إلى مصالح الأطراف الأخرى (!!).
على سبيل المثال:
منذ أن فرغ الهلال من مباراة الذهاب.. لم يفتر الإعلام بكافة وسائله، ولم يتوقف عن الخوض في كل شاردة وواردة حول مباراة الإياب إلى درجة الملل، وإن شئت فقل (السماجة) (؟!!).
هذا يفتي، وذاك يهرف بمالا يعرف، وآخر يستهين بإمكانات الفريق الإيراني، ورابع يصوره على أنه المارد الذي لا يُقهر.. إلى درجة ظهور الرئيس الهلالي فضائياً ليقول: ماذا تريدون.. إن تفاءلنا قلتم: إننا لا نحترم المنافس، وإن تحدثنا عن صعوبة المهمة قلتم: إننا متشائمون ومحبطون (؟!!).
استوديوهات وبرامج تبث بالساعات الطوال، وصحافة تفرد الكثير من مساحاتها يومياً لكل من هب ودب للّت والعجن حول المباراة المرتقبة، وكأنها نهاية كل شيء (؟!!).
ذلك الصخب والتحشيد، وذلك الزخم الإعلامي غير المبرر وغير المتعقل.. هو ما أدى في تقديري إلى الضغط على الفريق، وهو ما أدى إلى تشتيت أذهان وتركيز من يعنيهم الأمر، من مدربين ومن إداريين ومن لاعبين وحتى جماهير، وجعلهم يعيشون حالة من القلق والصراع الداخلي تبعاً لتباين الآراء والأطروحات الإعلامية المنهمرة كالمطر صباح مساء، خصوصاً وأنهم بشر يتأثرون بما يجري حولهم وليسوا ملائكة (؟!).
هذا النوع من الاستنفار الإعلامي غير المحسوب.. لم يخدم سوى الوسائل التي ضخمت الأمور وأخرجتها عن سياقاتها الطبيعية.. فضلاً عن أنها خدمت الطرف الخارجي أيما خدمة، وذلك من خلال الرسائل الضمنية الكامنة في ثنايا ذلك البث والتناول المتواصل على مدار الساعة عن نوعية الاستعدادات الخرافية التي تنتظره هنا، فيتحول إلى مارد حقيقي بمجرد استشعار ذلك الخطر.. تلك الخدمات التي ربما عجز إعلام بلاده عن توفيرها له ونحن نقدمها بكل أريحية (!!).
أما براهيني وأدلتي على ما ترتب على هكذا تعاطي.. فبخلاف ما حدث للهلال والشباب هذه الأيام.. حدث للاتحاد الموسم الماضي بذات الكيفية وفي ذات المسابقة وكأن التاريخ يعيد نفسه (؟!).
أما أبرز الأدلة والبراهين التي تدعو للتأمل والتوقف طويلاً.. فذاك هو بطل كأس العالم (منتخبنا لذوي الاحتياجات الخاصة)، حينما ظل يعمل في هدوء، ولم (يدس) الإعلام أنفه في شؤونه، ولم يقتحم خصوصياته سواء أثناء فترة التحضير، أو أثناء خوض غمار المنافسات.. لهذا عاد مكللاً بالنصر ومتوجاً بالذهب.
وإني لأجزم لو أن الإعلام (المطفوق) قد مارس معه بعضاً مما يمارسه مع المناسبات الأخرى من تحشيد وهيلمانات.. لما عاد من جنوب إفريقيا بإنجازه العالمي.. هذه أمثلة فقط وإلاّ فإن القائمة مليئة بالكثير من الشواهد (؟!).
للتذكير فقط: عندما حققنا منجزاتنا الدولية والقارية والإقليمية على العديد من المستويات والأصعدة.. لم نكن نمتلك إلا اليسير من الوسائل الإعلامية.. وعندما أصبحنا نمتلك هذا الكم المهول منها، تحولت المسألة إلى تنافسات إعلامية، إعلامية الكاتب فيها هو من يحقق أعلى نسبة من الضجيج والإثارة والابتذال.. في حين تراجعت وتقهقرت حظوظنا في تحقيق الإنجازات الرياضية إلى ما دون المعدل المفترض أن نحققه عطفاً على تجاربنا الميدانية لا الإعلامية (؟!!).
وللتأكيد: كل ما تقدم لا يعني أبداً الاستغناء عن الإعلام كعنصر حيوي مهم في حياتنا اليوم، كما لا يعني المطالبة بعدم مواكبة الأحداث، بقدر ما يعني ضرورة (الترشيد) وعدم المبالغة في الهدر والهذر الذي كلما زاد عن حدّه تحول إلى أداة لصالح الآخرين ومعيناً لهم علينا.
كما لا يعني أن العمل الهلالي والشبابي، سواء الفني أو الإداري تحضيراً لمباراة الإياب كان جيداً وباعثاً على رفع العتب.
ومع ذلك يبقى الزعيم والليث هما الأكفأ والأفضل والأبرز، ولن تضيرهما خربشات وشماتة الصغار قامة وقيمة.