المشهد السياسي العراقي بلغ مراحله النهائية في ماراثون تشكيل الوزارة الجديدة والتي يعلق كل العراقيين عليها كطوق نجاة للخلاص من الوضع الأمني الحالي الذي يعتمد على اكتساح السلطة لكل من يعارض مسيرتها المذهبية والعرقية تحت مبررات جاهزة الاستعمال بتهمة يعاقب عليها قانون مكافحة الإرهاب وأخرى للمدنيين والسياسيين من كتل معارضة لخطهم السياسي تحت اتهام بالعمل على إلغاء العملية السياسية ومحاربة الديمقراطية.
وجهز مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية والذي يشرف على نشاطاته رئيس الوزراء المالكي بصورة مباشرة بآليات وفرق أمنية ذات مهمات خاصة معظم أفرادها منحت رتباً عسكرية حسب مراكزهم الحزبية كأعضاء في حزب الدعوة الإسلامية وقربهم من أمينه العام السيد المالكي، واختير لأعضاء القوات الخاصة رجال ولائهم الوحيد لشخص المالكي ويتلقون أوامرهم باعتقال أي معارض سياسي لمسيرتهم الحزبية وإيداعه في سجونهم السرية في مطار المثنى والترحيل وانتزاع اعترافات كاذبة تحت تأثير التعذيب ليبرر سجنهم بقرار قضائي موثق بالاعتراف وقد عثرت الأجهزة الأمنية العراقية على أكداس كبيرة من الأسلحة الإيرانية والمقدمة لعناصر مذهبية من ميليشيات عصائب الحق وحزب الله العراقي وازدحمت الأجهزة الأمنية السرية منها والرسمية بعناصر مختلفة ذات واجبات خاصة ترتبط بقيادة مندوب الحرس الثوري الإيراني (السليماني) والذي يعرف العراقيون مدى نفوذه داخل الأجهزة الأمنية التابعة لمكتب السيد المالكي وفرق الاغتيالات بالأسلحة الكاتمة تتلقى أوامر التنفيذ منه مباشرة وأكثرهم من عناصر فيلق القدس الجناح العسكري لهيئة اطلاعات الاستخبارية والتي أصبحت مكاتبها تغطي معظم محافظات الوسط والجنوب من العراق، وما جاء بوثائق ويكيليكس البالغة400.000 وثيقة والتي ترجمت جرائم السلطة المذهبية للفترة من 2004 حتى 2009م هي جزء محسن من أنواع الجرائم الأمنية وتطبيق نماذج لا إنسانية من صنوف التعذيب وقهر عزة وكرامة المواطن العراقي والذي تعرض لأقسى منها تحت سقف سجن أبو غريب سيئ الصيت من سلطة الاحتلال والمأجورين في شركة بلاك وتر الأمنية والتي مارست صنوف القهر النفسي والجسدي للمعارضين للاحتلال والمقاومين لسلطته من أبناء الشعب العراقي الصابر.
الحراك السياسي للكتل السياسية المتنافسة لنيل المنصب الأول في السلم القيادي في السلطة العراقية الحالية أعطى الفرصة الأقرب لتحالف كتلة دولة القانون وكتلة الأحرار الصدرية والتي أجبرت بضغط إيراني واضح لتأييد عودة المالكي للحكم مرة أخرى والتي كانت قبل الضغط الإيراني من أشد المعارضين لترشيح المالكي لما لاقته فصائلهم الحزبية في البصرة ومنطقة الصدر في بغداد من صنوف الاغتيال والتعذيب من خلال حملة المالكي في البصرة تحت مسمى صولة الفرسان.
وأبدت الإدارة الأمريكية معارضتها لهذا التحالف الجديد وأبدت تحفظها على منح الصدريين لأي وزارة أمنية في الوزارة الجديدة إلا أن السيد المالكي لم يستمع لهذا التحذير ووعد السيد مقتدى الصدر أثناء لقائه الأخير في قم بإيران باستعداده لتوزير أحد النشطاء في جيش المهدي وزارة الداخلية، وقد يكون توقيت نشر هذه الوثائق السوداء في تاريخ السلطة العراقية مؤشراً على تخلي الإدارة الأمريكية عن مرشحها السابق السيد المالكي بعد أن أعطت القائمة العراقية مثالاً غالياً في الإيثار الوطني بالتنازل عن استحقاقها الانتخابي بصفتها القائمة الأكبر لشريكها الجديد المجلس الأعلى الإسلامي ومرشحه نائب رئيس الجمهورية السيد عادل عبدالمهدي مدعوماً بتأييد نائب الرئيس الأمريكي بايدن من خلال اتصالاته المباشرة مع قائد القائمة العراقية إياد علاوي ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وعبدالمهدي حيث تم على إثرها عقد الاجتماع الثلاثي لهؤلاء الزعماء في أربيل والدعوة للمائدة المستديرة للكتل السياسية بتنظيم وإشراف الكتلة الكردستانية والتي أصبحت الثقل الأساسي في تشكيل الحكومة الجديدة.
الأيام القليلة القادمة قد تأتي بالبشرى للشعب العراقي الجريح الصابر بتشكيل قيادة وطنية جديدة توعده بالتغيير وترفع عنه الظلم والتعذيب وتقدم له الخدمات المنسية من كهرباء وماء وغذاء وكثير من الأمن والأمان.