هناك من الكتاب من يتوهم أنه سيغير مفاهيم الناس وقناعاتهم الراسخة بجرة قلم، والسبب ببساطة أنها تكون أحيانا بعيدة عن الواقعية والموضوعية، وتعبر فقط عن رؤية كاتبها الخاصة أو نظرة من هو خارج إطار الموضوع، ممن لا يكاد يرى إلا ما تلتقطه قناعاته الذاتية فحسب حتى لو كانت في وادٍ والحقيقة في وادِ آخر.
فعلى سبيل المثال قرأت مؤخرا مقالا من تلك المقالات التي تتحدث عن أحد أهم الموضوعات الإسلامية المثيرة للجدل ألا وهو الجهاد، ومضى كاتبه يؤكد أنه لم يعد حلا عمليا ناجعا في ظل تكتلات القوى العالمية واتفاقيات تحريم الغزو ومنع التسلح، وركز المقال على ما يسمى في الاصطلاح المعاصر جهاد الطلب وهو ما يعني جهاد الأفراد في أي مكان على وجه البسيطة، ولكن بدلا من أن يأتي أولئك الكتاب بأدلة وبراهين واقعية مقنعة ومؤثرة، نلحظ أن كتاباتهم نقيض ذلك تماما، عبر استخدامهم أساليب قد تقود إلى هدم ما ينادون به، هذا على أساس أننا مسلمين بحسن النوايا ونبل الغايات.
لأنه ليس سليما أن يرمي الكاتب أو الكاتبة آراءهم للقراء على علاتها، متوهمين أنهم بذلك سيقنعون جميع الناس أو حتى أغلبيتهم، ويغيرون بها وجهة نظرهم أو طريقة تفكيرهم، وذلك لأن المجتمعات الإسلامية لم تعد تتغشاها الأمية والجهالة، بل لها عقول تفكر وأعين ترمق العالم القوي وهو في سباق محموم نحو التسلح المجنون الذي لا يهدأ ولا يقف عند حد ؟ ! ولها أفئدة تنبض وتحس وتتألم لما يفعله ذلك العالم الباطش بأبنائها، ومقدساتها، وأوطانها.
بيد أننا نريد التفكير بواقعية لإيجاد الحلول البناءة، حيث إن ذلك المقال وما شابهه يناقض الواقع، إذْ كيف أن الاتفاقيات الدولية بقيادة أمريكا تحرم الغزو، ومازالت بلاد الرافدين تئن جنباتها من غزوها الواضح الصريح الذي ضرب جزءا من الأمة الإسلامية ومزقه شر ممزق دونما تعقل أو مبرر أو رحمة؟! ثم كيف يقتنع العالم الإسلامي بالمعاهدات الدولية ضد الاعتداءات النووية، خوفا من فناء العالم، بينما دولة إسرائيل تمتلك هذا السلاح المخيف، ألا يجب أن يمتلك المسلمون مثل هذا السلاح النووي كي ترهبها الصهيونية مثلما تريد أن تخيفهم وتخضعهم وترهبهم بقوة الردع النووي غير المحدودة التي لديها؟!.
إذن الواقعية في الرأي توجب أن نربي في أبنائنا مفهوم أن جهاد الأفراد في العصر الحاضر إنما يكون من خلال الدعوة إلى الله ودين التوحيد وتعاليمه بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة الخيرة في بقاع المعمورة، وليس بحمل السلاح الفردي أو الانتحار التفجيري، أو الحرب ضد المجتمعات والدول المسلمة، حيث إن ذلك هو الخيار الإسلامي الإيجابي الآني، كما كان الحال في فجر الإسلام قبل قوته وانتشاره، ولعل خير دليل على هذا الرأي هو قبول المسلمين وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية، ومن قبلها هجرتهم من ديار الشرك والضعف بهدوء ومسالمة.
كما أن الواقعية في الرأي أيضا تحتم على الحكومات المسلمة أن لا تكون أقل طموحا واستعدادا عسكريا ونوويا مما سواها، كي لا تكون مطمعا مستضعفا للقوى الأخرى المتعددة المتربصة بها، المتنامية قواها مع الأيام، لاسيما عدوهم الصهيوني المشترك ربيب أمريكا التي تفرض على العالم بعامة والدول العربية الإسلامية بخاصة قانون التسلح الأعرج، وتتجاهل أنها بذلك توغر الصدور وتؤجج الأحقاد!