الرسائل النصية باتت كثيرة ومنوعة، واختلط المهم بما سواه من عادي وغير مؤثر، حتى أنك تزهد بالكثير منها فلا تعتني إلا بالقليل، بل ربما تؤجل النظر في البعض منها رغبة في التناسي، إلا أن ما يثيرك و يستفز مشاعرك هو الرسائل النارية الضاجة بالفاجعة بأن لدى فلان طفلا تائها، وهذا هاتفه والمدينة التي يسكنها لترد مع الرسالة صورة لطفل أو طفلة، فيما تذيل الرسالة بالرجاء والتوسل بأن توصلها إلى أكبر عدد ممكن من الناس عبر بريدك، بل تُشفع الرسالة غالباً بالوعيد بعذاب الدنيا والآخرة وتحميلك الأمانة أو المسؤولية إن أنت لم تتفاعل معها.
الأمر الغريب والمقلق أن هذه المناشدات والبلاغات عن وجود أشخاص مفقودين ليس فيها أي طابع رسمي من جهة الاختصاص التي يتطلب الأمر حضورها وتدخلها في هذه الحالة الخطيرة، لا سيما ممن يفقدون الذاكرة أو يتعرضون للخطف أو الحوادث أو من يتركون أطفالاً بعرض الطريق ليتصدى البعض لهم بطريقة شخصية ليس لها أي طابع رسمي يحدد هذه المصائب ويتعامل معها.
ولكي أتأكد شخصياً قبل أن أكتب هذه المقالة ولأتحقق من صدق أحدث رسالة حول فقد الأطفال التي تتكرر بشكل لافت، فقد قمت بمهاتفة الشخص الذي وضع اسمه ورقم هاتفه ومدينته إلا أنني لم أفلح في الوصول إلى أي حقيقة حول هذا الأمر، رغم أنني قد جربت سابقاً الاتصال بمثل تلك الأرقام ولم أعثر على ما يفيد في هذا الشأن.
هذه الرسالة وما شابهها مقلقة لأمرين: الأول، أنها تعلن بطريقة شخصية، فكأن هذا المفقود شيء من الأدوات أو المقتنيات وليس لأرواح بريئة من الناس، وتالياً، أنها تكتب بطريقة وعظية وتمهر غالباً بوعيد شديد في الدنيا والآخرة إن لم أرسلها إلى العالم من حولي، وكأننا في البراري القفر بلا جهات خدمية قد ترعى شؤون هؤلاء المفقودين.
أما إن كانت هذه الطريقة تتم من قبيل «الفزعة» أو النخوة بعد أن طفح الكيل بهم حينما لم يجدوا أي مختص في شؤون هؤلاء المفقودين فإن الأمر يزداد قسوة وألماً، لأنك قد تفاجأ بأن هذا المتطوع يحمل المفقود إلى منزله بعد فقد الأمل بتحرك الجهات المخولة بمتابعة مثل هذه القضايا، حيث يفترض فيها أن تتعامل مع هذه الحالات بمنطق مهني مناسب لا يكون لرسائل التوسل النصية المدججة بالدعاء والوعيد من قبيل دفعك عنوة إلى أتون البحث عن ذويهم بطريقة محدودة التأثير وعقيمة الجدوى.