السبب في اختياري هذا الموضوع للكتابة رغبتي الصادقة في معرفة الحكمة من تغطية رؤوسنا (الرجال) بطاسة مقلوبة من القماش (كوفية أو طاقية)، ثم بقطعة قماش مساحتها متر في متر (غترة أو شماغ)، ثم تثبيت هذا الثنائي بإطار من الحبل المبروم أسود اللون يستدق طرفه إلى الخلف ثم يتصالب على بعضه بشكل كروموزوم (عقال)، وينتهي الأمر بنظرة أخيرة في المرآة للتأكد من انسجام هذا الثلاثي المليح مع الوجه الذي يحمله على رأسه أينما ذهب خارج المنزل، ويحرص كل الحرص على تعديله وإرجاعه إلى منطقة الوسط كلما مال أو انكفأ وبالذات عند إشارات المرور.
أكاد أرى منذ الآن أوداجا قد انتفخت لأنها بدأت تشم رائحة سخرية من الزي الوطني، وهذا الانفعال الغريزي ليس من خصائص الشعوب الواثقة بنفسها. كل الشعوب تبدأ أولا بالتندر والضحك على نفسها ومن نفسها قبل أن تنبش وتتندر على خصوصيات الشعوب الأخرى. لذلك مهلا حلمكم عليَّ.
هذه واحدة. الثانية هي: منذ متى صار هذا الذي تم وصفه أعلاه من مكونات زينا الوطني التراثي العربي؟. الكوفية كما هي، قماش مزركش أو مخرم مقعر الشكل يقلب على الرأس، هذا جزء تراثي من أزياء سكان الجبال في القوقاز وسهول تركستان وسواحل بحر الخزر. ليست الكوفية عربية المنشأ ولا أدري متى تم استيرادها محليا. أيام الحكم العثماني للبلاد العربية كان الطربوش الأحمر مثلا مكونا أساسيا للتميز الطبقي في العواصم العربية ليرتديه الأفندية وموظفو الدولة الكبار، وأظن أن الكوفية بنت الطربوش. الغترة أو الشماغ بشكلهما الحالي قطعة قماش مربعة تطوى على شكل مثلث ومزينة بالخطوط والتطاريز والدمغات الصناعية، وهذه أيضاً ليست من الزي العربي التراثي في شيء. كان الناس إلى وقت ليس ببعيد يعتمرون العمامة كما هو الحال مع إخواننا في السودان ثم تركوها لأنها أصبحت غير عملية. العقال، هذا الإطار المبروم الذي قد يستعمل أحيانا للتأديب الداخلي والخارجي، ربما هو سليل قطعة حبل كان العرب الرحل قديما يثبتون بها أغطية رؤوسهم لكي لا تطير مع الرياح في الجهات الأربع، وأعتقد أن الأصل القديم فيه هو لتثبيت غطاء المرأة على رأسها، وربما دعت الحاجة أحيانا إلى استعماله كحبل لربط بعض المتاع أو الماشية.
أظنني قلت ما يكفي لهذه الحلقة. تكملة الموضوع في الحلقة القادمة - إن شاء الله -.
الرياض