عبر مقال: (أيها التجار، ارفعوها أكثر فأكثر!) ناشدت المستهلكين ترشيد الشراء، والاقتصار على المطلوب من المواد الغذائية والاستهلاكية، وتنشيط بند البدائل لكسر شوكة التجار وتنمرهم على المستهلك الضعيف وذلك بعد أن قاموا بعقد تكتلات سرية بينهم لتصريف المخزون الهائل، واستيراد سلع جديدة مدموغة بأسعار مرتفعة، مما أدى لدفع فاتورة الشراء للارتفاع من أغلب موردي وموزعي معظم السلع الإستراتيجية التي شهدت إقبالاً كبيراً في الطلب خلال هذه الأشهر الكبيسة.
وكان الخطأ الذي اقترفته هو أنني تحديت التجار برفع الأسعار لأنهم لن يجدوا من يشتريها، ثقة بالمستهلك الواعي الذي سوف ينشِّط برامج المقاطعة التي يدعو لها بعض الناشطين والمخلصين المحبين لأبناء هذا الوطن! ولم يكذِّب التجار خبراً، فقد استغلوا ذلك التحدي باعتباره نصيحة ذهبية من كاتبة صحفية، ومواطنة من الدرجة المشفقة على أبناء وطنها، وهم الذين يحترمون الصحافة ويعزونها كثيراً ! ويحبون المواطنين من جميع الدرجات والفئات، لاسيما أولئك السذج الذين يشترون بلا حساب اعتماداً على مقولة: اصرف ما في الجيب وما في الغيب!!
وهنا أود أن أبدي ترددي في نصيحتي، وتقهقري عن التحدي غير المتكافئ بيني وبين التجار لسبب بسيط هو أن المستهلكين الأعزاء قد خذلوني، وأودوا بي إلى الإحباط، وأوصلوني إلى خيبة الأمل حين سارعوا بتخزين أكياس الأرز والسكر، وعندما تكالبوا على شراء الطماطم حتى وصل الكرتون - باندفاعهم - إلى المائة ريال لدرجة أن تجاوز سعر الحبة الحمراء المدورة الريال الواحد، وتبعتها حبة البطاطس وستتبعها بقية الخضار.
ويبدو أن التجار عرفوا كيف يؤدبون المستهلك، لا، برفع السلعة مئة بالمائة بل ألف بالمائة. بينما المستهلك لايزال يمارس قلة الوعي والولولة والتذمر والشراء بلا حساب والانسياق وراء الدعايات المضللة والعروض الترويجية المبهرة، وهو لا يعلم أنه يساهم في خلق أزمة غذاء ستستمر بدفع الأسعار نحو الصعود إلى ما تفوق طموحاتهم !
وعلى جانب آخر، مازالت الحروب مستعرة في جمعية حماية المستهلك تحت شعار: (عاش الرئيس، سقط الرئيس !) في أشد حالات حاجة المستهلك لخدمات ووقفة تلك الجمعية التعيسة التي ولدت ميتة، وكانت منذ إنشائها قبل ثلاث سنوات تسجل حضوراً ضعيفاً، بدلاً من سعيها لامتلاك مكاتب قانونية تستطيع من خلالها رفع قضايا على زيادة الأسعار والاحتكار، برغم دعم خادم الحرمين الشريفين لها بعشرة ملايين ريال وخمسة ملايين من لدن سمو ولي العهد، عدا دعم الأعضاء الذين كانوا يأملون أن تكون صوت المستهلك والمدافع عن حقوقه ! ولكن الواقع أن الأسعار في ارتفاع والغش في أعلى درجاته والاستهتار في أوج نشاطه، بينما التجار يخرجون ألسنتهم سخرية بنا وبجمعيتنا التي كنا نحسبها عوناً لنا وهي في الواقع قد أشغلتنا في مشاكلها الداخلية، في تعبير صريح بأن هذا المجتمع لا تصلح معه الديمقراطية ! كما فشلت معه حملات المقاطعة، وستفشل حملات الترشيد إذا لم يستيقظ المستهلك ويعي دوره الريادي بعيداً عن الأنانية والطمع الشخصي واستفحال النمط الاستهلاكي التفاخري السائد في المجتمع، ويقتنع بأن الأسعار المعروضة عليه ليست قدراً محتوماً، بل إنه قادر على تغييرها لو أراد ! وأن سلاح المقاطعة هو أحد أشكال محاولات التأثير على التجار والأسعار المنفلتة، وضرورة تحويلها إلى ثقافة وأداة ضغط فعالة يمكن استخدامها في الوقت المناسب.
وليت المستهلكين يحافظون على حقوقهم في مواجهة حالات الاستغلال التجاري تحت شعار: (مستهلكون ضد الغلاء) وليت الحكومة تسن أنظمة وقوانين تدعم دورهم وتؤكد حقوقهم في الحصول على سلعة وخدمة مناسبة، كما تضع تشريعاً يمنع الاحتكار وتتم متابعته بأمانة.
وإلى أن تتحقق الأمنيات، أرجو من التجار أن لا يرفعوا السلع أكثر من ذلك، فقد مس الضعفاء والفقراء الضر، وإني في مقالي السابق كنت أمزح فلا تصدقوني، ماني قدكم !!