الحياة التشكيلية هي المجلة الدورية التي تصدرها وزارة الثقافة السورية. في إحدى مكتبات الدمام الشهيرة وجدت مجموعة من أعدادها للبيع، وهي أعداد قديمة ابتداء بالعدد الأول الذي صدر في كانون الأول 1980 والعدد الثاني والثالث وأعداد أخرى تالية خلال فترات مختلفة. والواقع أنني انتقيت بعض الأعداد الموجودة في المكتبة واشتريتها بثمن معقول، هذا الثمن مناسب برأيي قياسا بمطبوعات تشكيلية راهنة يصل سعرها إلى تسعين ريالا، تغلب وتلفت فيها المادة الإعلانية.
تذكرت شخص الأستاذ طارق الشريف- رحمه الله- والجهد الكبير الذي بذله كرئيس تحرير للمجلة منذ انطلاقتها إلى أكثر من عشرين عاما ليتسلم الرئاسة بعده الدكتور عبدالله السيد، وجدت أن ما قدمه رئيس التحرير السابق كان كبيرا من خلال المواد التشكيلية في كافة الفروع الفنية، وكان استفتح العدد الأول من المجلة بمادة حول (دور الفن في تطوير المجتمع) وهو ومواضيع هامة كانت الساحة التشكيلية السورية والعربية حينها ولم تزل بحاجتها.
هذه المجلة خلال فترة صدورها خصصت أعدادا لمجالات كالحفر والنحت وغيرها،هناك كتابات قيمة تتضمنها المجلة بينها لكتاب سوريين على الأغلب وبعض الترجمات إلى العربية عن فنانين عالميين لكن الأكثر وضوحا واستمرارا في المجلة هو الصفحات الملونة التي تتناول أعمال بعض الفنانين السوريين ضمن مادة مكتوبة عن توجه أو تيار أو دراسة عامة في الفن التشكيلي السوري، وهي عادة حميدة خطتها المجلة منذ عددها الأول فهي الصفحات الملونة الوحيدة فيها.
كان لي أن نشرت في الحياة التشكيلية دراسة عن الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية وسط التسعينات والواقع اهتمت المجلة بإخراجه جيدا وتضمينه صورا بعثتها للمجلة لأعمال فنانين تشكيليين سعوديين.
في الأعوام الأخيرة لم أعرف ما إذا كانت المجلة توقفت، وكان زميلنا يوسف شغري يطلعنا أحيانا على بعض الإصدارات الأخيرة منها عندما يكون عائدا من بلده سوريا، لكنه أكد في آخر لقاءاتي به أنها لم تزل تصدر.
المجلات (التشكيلية) في الوطن العربي لم تزل بين مد وجزر فالظروف المالية هي التي تحركها وتضخ فيها الحياة ومن خلال الدعم تتوقف أو تصدر المجلة، لا أتذكر مجلة صدرت في الوطن العربي لم تزل تنتظم في صدورها أو حتى أن تكون باقية، استعيد فنون عربية وفنون شرقية والنقطة والفنون الجميلة والصورة ومجلات تصدر عن مراكز أو جمعيات تشكيلية، هناك الكثير من الإصدارات التشكيلية التي توقفت لذاك السبب (المالي) والاهتمام من طرف الجهات ذات الاختصاص لم يزل ضعيفا فالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون أصدرت عددا متخصصا في المجال أطلقت عليه اسم (الفنون التشكيلية) وكان عددا وحيدا.
الحياة التشكيلية في عددها الأول تضمنت في افتتاحيتها لوزيرة الثقافة د.نجاح العطار دعوتها العناية القصوى بالتراث وبالآثار الفنية التراثية وتأثيراتها على فننا المعاصر ودعتها أن تهتم بالحداثة ومدارسها والتيارات الجديدة في الرسم والنحت والديكور والنقد التشكيلي والدراسات التشكيلية) إلخ، فجاءت مادة المجلة ضمن هذه الدعوة، والمجلة في الواقع غنية خلال عمرها الممتد ثلاثة عقود إذا -افترضنا استمرارها إلى الآن- بالدراسات والتحاليل الفنية والكتابة التاريخية والتراجم للفنانين المشهورين وهي في الواقع قدمت إسهاما كبيرا في مجال الفن التشكيلي للقارئ السوري والعربي وللفنان والباحث، أتمنى أن تكون المجلة ضمن من لا زالت تصدر في ثوب يتناسب وروح المرحلة شكلا ومضمونا لكننا في الجانب الأهم أن هذه المجلة وغيرها لا تصل إلينا في المملكة ودول أخرى كثيرة.