منذ فترة والتقارير عن حجم الطلب في سوق الإسكان المحلي تنهال كزخات المطر في وسائل الإعلام عبر تقارير ودراسات قامت بها العديد من الجهات المختصة، وإذا كانت كلها متفقة في الطلب المرتفع حالياً ومستقبلاً إلا إنها تختلف بالحجم المتوقع لها، وقد يكون هذا التباين مرده إلى اختلاف الإحصاءات ومعايير تحديد من يعد طالب سكن بين جهة وأخرى.
فقبل عدة أسابيع كشفت دراسة قامت بها هيئة الإسكان بالتعاون مع شركة ألمانية كلفتها الهيئة بتقديم دراسة عن سوق الإسكان أن هناك حاجة لبناء 1.25 مليون وحدة سكنية خلال العام الحالي، لكن حجم الرقم يؤكد استحالة إنجازه في عام واحد، بمعنى أن الدراسة خلصت إلى معضلة حقيقية لأنها تتحدث عن احتياج حالي، فكم سيكون الاحتياج المستقبلي إذاً؟ ولكن هذه الدراسة تتناقض مع أبحاث سابقة قالت إن حاجة السوق هي لأكثر من مليون وحدة سكنية خلال عشر أعوام قادمة وليس لعام واحد، فانعكاس مثل هذه الدراسة سلبي على واقع الأسعار وتؤثر فيها ارتفاعاً لأن السوق سيقر جانب النقص الشديد بالعرض، وبالتالي تصبح الأسعار في تصاعد مستمر مما يؤثر على معدلات التضخم والتي بات العقار مؤثراً كبيراً فيها، فإذا كانت هذه الدراسة واقعية لا بد من توضيح كيفية بنائها ومن هم الذين يعتبرون طالبي سكن بمقياس هيئة الإسكان، فهل هم كل من تجاوز سناً معيناً أم من كان متزوجاً.
إما آخر الدراسات فهي من مؤسسات بحثية في مجال العقار حددت غالبيتها حجم الطلب الكلي بين 100 إلى 150 ألف وحدة سكنية كحاجة سنوية. وإذا ما قارنا هذه الدراسات مع سابقاتها نجد تطابقاً أكثر من تلك التي قدمت من هيئة الإسكان، أي أن نفس المعطيات المؤثرة على حجم الطلب الحالي والمتوقع هي التي تم الاعتماد عليها في بناء هذه الدراسات. وهذا لا يعني أبداً إنها دقيقة لأن هيئة الإسكان كونها جهة حكومية لا بد أن تتوفر لها أرقام وإحصاءات أكثر دقة.
لكن بمعزل عن كل ما يدور في سوق الإسكان اليوم من حجم الطلب والاحتياج تبقى الحلول غير متوفرة بشكل عملي مما يسمح كثيراً لأن تطلق الكثير من التكهنات خصوصاً من البيوت الاستشارية الخاصة عن واقع السوق وحتى من المنتفعين الذين يرحبون بالتقارير التي تدعم استمرار تماسك الأسعار وارتفاعها حتى يتمكنوا من إقناع المترديين بالشراء عبر تكريس مفهوم أن الأسعار في تصاعد مستمر ومن لا يشتري اليوم فلن يتمكن غداً.
لكن بنظرة واقعية نجد عملياً أن الأسعار أصبحت مرتفعة وأي استمرار لها بالمستقبل ليس نتيجة القوة الشرائية والقناعة بعدالتها بل بسبب استمرار غياب الحلول وسيطرة الإشاعات وكذلك تحكم التجار بمسارات السوق بعيداً عن الحلول الرسمية فأسعار الأراضي تعكس واقعاً مغايراً للحقيقة فمستوى الأسعار يعكس شحاً فيها ولكن الحقيقة أن الأراضي متوفرة بشكل كبير جداً قياساً بعدد السكان.
بينما غياب التنمية المتوازنة وتركز السكن بالمدن الكبرى رفع من مستوى الأسعار بشكل كبير مع غياب تنظيمات تسمح بالتوسع العامودي للمساكن ببعض المدن وكذلك إلغاء شرط وجود الأرض للتقدم إلى صندوق التنمية العقاري لطلب القرض رفع من مستوى أسعار الأراضي غير المخدمة بشكل كبير والتي تضاعف سعر بعضها إلى خمس وعشر مرات بسبب الرغبة بامتلاكها للتسجيل في قوائم الانتظار لدى الصندوق
كما أن عدم تحول الصندوق إلى بنك عقاري يضع الكثير من العقبات أمام توسعه في الإقراض ويأتي تأخر صدور أنظمة التمويل والرهن العقاري ليلعب دوراً سلبياً في تعطيل عمليات التمويل العقاري وبقاء حجم الأموال الموجهة إلى سوق العقار محدودة بشكل عام فلم تتعد الأموال المقرضة لتمويل شراء المساكن إلى الآن حاجز 20 مليار ريال وهو رقم محدود ولا يخدم الجانب الاستثماري في تمويل الأفراد.
هذا بخلاف طرق الحل الأخرى من خلال الاتفاق مع المطورين على منحهم أراضي تقام عليها مشاريع كبيرة كما هو معمول به في كثير من الدول وتنظيم ذلك يتم وفق شروط محددة تخدم كل الأطراف مما يقلل من تكلفة المساكن ويتيح توسع قاعدة المستفيدين منها دون إرهاق على دخل الأسر كما هو حاصل الآن.
إن العقار السكني لدينا أصبح كما تقول العبارة الشهيرة السهل الممتنع فبقدر ما تتوفر أدوات الحل إلا إنها لم تظهر إلى الآن مما يجعله عصياً من دون أدني أمل يلوح بالأفق أمام طالبي السكن وكذلك المستثمرين بكل أطيافهم من مطورين وممولين ومسوقين ومصنعي المواد والتجهيزات التي تستخدم في بناء واكساء وتأثيث المساكن بخلاف تأثيراته السلبية حالياً على الاقتصاد من ارتفاع مستوى التضخم وشح الاستثمارات التي تعطل رافداً مهماً لنمو الناتج الوطني وكذلك فتح فرص وظيفية واسعة أمام شريحة كبيرة من طالبي العمل.