تأمَّلْتُ الحديث النبويَّ الشريف الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قولوا خيراً تغنموا، واسكتوا عن شرٍّ تسلموا».. وهو حديث صحيح صحَّحه الألباني - رحمه الله -.
تأمَّلْتُ هذا الحديث فوجدت فيه جماع الخير كلِّه، كما هو الشأن في جوامع الكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن استقرار حياة البشر يتحقق بتطبيق ما جاء في هذا الحديث الشريف، فلو أنَّ كلَّ إِنسان التزم بما ورد في هذا الحديث، فلم يقل إلا خيراً، وسكت عن الشر لتحقق للمجتمع ما يصبو إليه من الأمن والاستقرار والراحة والهدوء.
إن الأسلوب النبوي في الحديث يؤكد - بوجود الأمر وجواب الأمر - أنَّ الغنيمة متحققة لكلِّ من يقول خيراً، ففعل الأمر «قولوا».. وتحديد القول ب»خيراً» يوصِّل إلى النتيجة التي جاءت في جواب الأمر «تغنموا» وتغنموا هنا جاءتْ مطلقة غير محدَّدةٍ بنوعٍ من أنواع الغنيمة، فهي مستوعبة لكل خيرٍ يغنمه الإنسان، وفي هذا الأسلوب ما يفتح أمامنا أُفقاً فسيحاً ننطلق فيه بأذهاننا إلى كل غنيمة يمكن أن نغنمها حينما نقول خيراً، تغنموا ماذا؟ تغنموا الراحة والهدوء، أم السعادة، أم التوفيق، أم المحبة والوئام، أم السكينة والاستقرار، أم الإصلاح والمودة والتفاهم، أم الأجر العظيم عند الله في الآخرة؟
أُفق مفتوح ليس له حدود، وهذا الأُفق المفتوح هو الذي يجعل حرص الإنسان على ألا يقول إلا خيراً نوعاً من أنواع العبادة لله عزَّ وجلَّ، ولنا - أيها الأحبة - أن نتخيَّل أنفسنا ومن حولنا حينما لا نقول إلا خيراً، كيف ستكون حياتنا، محبةً ومودةً وإشراقاً.
وفي الجزء الثاني من الحديث ما يفتح أمامنا أُفقاً فسيحاً أيضاً، ويضع بين أيدينا صورةً أخرى لعبادة أخرى تتحقَّق بها لنا السلامة من كل شر، فإذا لم يستطع الإنسان أن يقول خيراً، ولم يوفَّق إلى ذلك لأي سببٍ من الأسباب، فما عليه إلا أن يسكت عن كلِّ كلمة فيها شرّ.
«واسكتوا عن الشر تسلموا».. فهنا أمر بالسكوت عن «شرٍّ» ولنا أن نتساءل: أي «شرٍّ يا ترى؟».. والجواب أن كلمة شر جاءت هنا مطلقة أيضاً، فهي تشمل كل كلمة يمكن أن يكون فيها جانب من جوانب الشرِّ والإساءة «شرّ» بدون تعريف ولا إضافة حتى نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالسكوت المطلق عن كل شرٍّ يصطلح الناس على أنه شرٌّ، فهو أمر بالسكوت عن الغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وساقط القول، واللعن، وإثارة الضغائن، والترويج للباطل، والدعوة إلى الفساد والسوء... إلى ما لا نهاية له، مما يدخل من الأقوال في هذا الباب، والنتيجة تأتي مطلقة عامة شاملة «تسلموا»، نسلم من ماذا؟ هل هي السلامة من القلق والأرق، أم من الخلاف والشقاق، أم من العداوة والبغضاء، أم من الإثم والعدوان، أم من عقاب الله سبحانه وتعالى؟.. هنا أيضاً أُفق مفتوح ليس له حدود، يجعل الإنسان حريصاً على السكوت عن الشرِّ عبادةً لله وطاعةً لرسوله صلى الله عليه وسلم.. وتحقيقاً للسعادة والراحة والاستقرار والأمن.
لو أنَّ كل متحدث، وكاتب وضع نُصْبَ عينيه هذا الحديث الشريف، لسلمَ مجتمعنا من هؤلاء الذين يسيئون إلى الناس بما يقولون ويكتبون من الشرِّ، وسلمت علاقاتنا الأسرية من الصراعات والخلافات التي لا تأتي بخير.
شعار يستحق أن يُرفع «قولوا خيراً تغنموا، واسكتوا عن شرٍّ تسلموا».
إشارة:
يقول علي رضي الله عنه: «لسان العاقل وراء عقله، وعقل الجاهل وراء لسانه».