من يقرأ التاريخ، ويرصد الحاضر، لا يمكن أن يقتنع أن الفرس والعرب سيتخطون العداوة التاريخية الممتدة لأكثر من ألف وأربعمائة سنة، منذ أن ورث عرب الصحراء أساور كسرى وحتى اليوم، ويتحولون إلى دعم قضايا العرب المصيرية، ويتخطون (شعوبيتهم) التي رضعوها من أثداء أمهاتهم طوال التاريخ. هم يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويوظفونها كورقة سياسية عند التفاوض مع الغرب، أما انتهازيو حماس فليس ثمة سوى تجار يبيعون ويشترون والبضاعة قضيتهم ليس إلا.
تحالف حماس الإخوانية مع إيران يأتي على حسب المصلحة الفلسطينية العليا؛ فالإخوانيون - كما عرفناهم - قوم بلا مبادئ، ولا قيم، ولا حتى أخلاق الإسلام ومبادئ الإسلام، وعقيدة الإسلام، وشعارات الإسلام، جميعها بلا استثناء (معروضة) في المزاد السياسي الإقليمي؛ ومن يدفع أكثر تُزف إليه القضية الفلسطينية (ليتمتع) بها حيناً من الدهر، بعد أن يقبض (الولي) في غزة مهرها عدّاً ونقداً.
بالنسبة لي لا تختلف إيران الفارسية عن إسرائيل الصهيونية. إسرائيل احتلت أراضي عربية بالقوة، وعاثت فيها فساداً وتقتيلاً وظلماً وعدواناً. وإيران الفارسية كذلك؛ احتلت الجزر الإماراتية الثلاث، وما تزال تكابر وترفض الانسحاب؛ وعينها - أيضاً - على البحرين؛ كل ما انتهت حكومة البحرين من تطويق مؤامرة تستهدف استقلالها وأمنها وسيادتها، أوقدت إيران من خلال عملائها مؤامرات جديدة، وهكذا دواليك. وإيران اقتطعت كذلك الأهواز العربية، و(احتلتها)، رغم أنها أرض عربية، يسكنها عرب أقحاح، لا علاقة لهم بالفرس لا في ماضيهم ولا حاضرهم؛ فما الفرق بالله عليكم بين إسرائيل (المحتلة) وإيران (المحتلة) في نهاية المطاف؟.. هل يستطيع عُشاق حماس وحزب الله أن يُجيبوا؟
أشعر بالحزن والأسى عندما أجد من (يُصفق) لدمية إيران في مسرح العرائس (حسن نصر الله)؛ هذا الرجل مجرد عميل ضَخّمه الإعلام، لا يستطيع في حزبه أن يتصرف ولو بدولار واحد، ولا أن يُصدر قراراً ولو كان هامشياً دون أن يبصم عليه (ولاة أمره) داخل الحزب من الإيرانيين؛ وهو معرّض للإقصاء والتغييب في أي لحظة، والبديل جاهز؛ فالإيرانيون أذكى وأدهى من أن يُسلموا حزباً بنوه طوبة طوبة، وصرفوا عليه مئات، بل وآلاف الملايين من الدولارات، لتاجر مُعمم، لا يُستبعد أن يبيعَهم لو شعر أن الرياح وتوجهاتها قد تبدّلت؛ فالإنسان الذي يخون بلده وأهله وذويه، ويتخلى عن كل قيمه ومبادئه وأخلاقه للأجنبي، طمعاً في الزعامة، هو مرشح قوي لأن يخون - أيضاً - من استأجروه لتنفيذ مآربهم؛ والتاريخ مليء بالأمثلة.
عرب الشمال ما زالوا يتصرفون بمنطق هيكل (عرب المركز وعرب الأطراف)؛ فهم المركز ونحن عرب الأطراف؛ هذا المنطق لا يُمانع أبداً من أن يبيع الجزر الإماراتية المحتلة إلى الفرس، ومعها أرض الأهواز العربية، لقاء أن يحظى ولو بالتفاتة من الولي الفقيه لا أكثر، ويقبض. ربما أفهم البعد الطائفي الذي جعل نصر الله يعطي كل أوراقه لإيران، وكذلك موقف (انتهازيو) حماس أيضاً، أما الذي لم أفهمه فموقف البعض ممن يصرون على أن يتطوعوا لخدمة (الولي الفقيه) في طهران، دون أن يكون لهم في القضية سوى البحث عن دور، والبقاء تحت الأضواء بأي ثمن.
إلى اللقاء
