ديباجة مدجنة:
يعتريني بين الحين والآخر نوع من الشفقة المريرة على حالنا نحن الكتاب وخاصة أولئك المربوطين منا إلى حبل مشنقة عواميد وزوايا صحف بالكاد يتحركون داخلها دون أن تحتك جدرانها بعظام أضلاعهم وكأنهم عصافير
في قفص لمجرد تزيين تلك الصفحات بشبهة الأجنحة أو بغناء يشبه البكاء في مديح حرية لا أدري كيف يمكن أن نجد الشجاعة في الحديث عن أشواقنا لها بينما كل ما نفعله أن نمعن في الاحتيال على عقولنا وأخيلتنا لنتواطأ مع فن الممكن فيما نكتب وإلا لم نجد مقالاً منشوراً أو ريشاً مفروطاً على الأرصفة.
والأشد مرارة وسخرية أن ليس المشفق بأحسن حالٍ من المشفق عليه إذ إن هذا النوع من الشفقة هو بحد ذاته مثار شفقة أفدح وذلك كمن يشفق على أعمى يتشوف شروق الشمس أو أعرج يشارك في حلبة رقص, حيث ليس المشفق أقل إثارة للشفقة من ذلك المشفق الذي يعاني هو نفسه من إعاقة وجدانية وحسية لا تقل قسوة عن تلك الإعاقة الجسدية تمنعه عن تخيل رؤية الشروق بدون حاسة البصر أو تصور نشوة الرقص دون أرجل.
فمن منا يستطيع أن يدعي أن بإمكانه أن يكتب دون أن يتأبط تلك الحزمة الحارقة من الأسلاك الشائكة التي تعرف متى توقفه عند حده قبل أن يصل المقال إلى عين القارئ ولمن يشكو الكاتب بثه وحزنه السياسي أو النقابي وفي رؤسائه الخصم والحكم.
أسئلة للتسلية ليس إلا:
مع أنه مضى عدد من السنين على تأسيس هيئة الصحفيين فلم يصلني شيء منها أو عنها باستثناء خبر أبلغت فيه بدفع 700 ريال كرسم سنوي أن أردت الاشتراك في عضويتها إلا دعوتين، دعوة حضور ندوة وأخرى لحفل عيد. ومع أنني لم أستطع تلبية أي من الدعوتين لعشمي في تعارف أكثر عملية فإنني قد استجبت بامتنان لدعوة العضوية لشعوري الرومانسي بالانتماء إلى عالم الصحافة من طرف خفي رغم أنني لست بصحفية، فصفة صحفية إذا غضضنا الطرف عن واقع أن معظم الصحفيين لدينا يعملون من مكاتبهم دون أن يغبروا أقدامهم بتراب شارع أو يحشروا قامتهم على خطوط تماس حرب أو حب لا تنطبق على طبيعة عملي ككاتبة من منازلهم.
وبما أن الصحافة في المجتمع السعودي كانت ولا تزال لعدد من أجيال الكُتاب السعوديين هي المطل الوحيد على القراء وهي المنبر والمعبر للتعبير عن رأي أو كلمة، فقد وجدت أن من حقي بعد أن نحتُ روحي في احتراف الحرف لعدة عقود وأن من واجبي أيضاً بعد أن كدت أهلك في هوى هواية الكتابة أن أحظى أخيراً بالانضمام إلى عضوية ما يسمى بعالم السلطة الرابعة. وإن كانت سلطتها في الغالب علينا لا لنا.
بل إنني لا أخفيكم أنني رأيت فيما يرى الصاحي أو «الصحيّح» باللهجة العامية المحلية من أحلام الصحو بأن وجود هيئة للصحفيين والكتاب في الصحافة قد يساعد على تعديل المعادلة فتصبح سلطة الصحافة تعبير عن سلطة الحق والضمير والعمل وفق منظومة قانونية ولائحية تنظم العمل وتنصف العاملين بالصحافة محترفين وهواة على حد سواء، كما تساعدهم على إنصاف المجتمع بكل فئاته ومواقعه بإيصال صوت المواطن إلى المسؤول وبتشكيل رأي عام نزيه تجاه القضايا العادلة. هذا إلى جانب حفنة أخرى من الأحلام النقابية المتواضعة تتعلق بالأجر وبالتعويضات المتعلقة بمخاطر المهنة وسواها من الأحلام الحميدة.
إلا أن ما حصل أن أخبار هيئة الصحفيين انقطعت عني وربما عن سواي من الصحفيين والكتاب وخاصة النساء إلا فيما ندر حيث تنشر بضع شذرات بالصحف من أخبارها وأهمها حسب ما قرأت خبر بناء مقر فخم مكلف.
فلم يصلني منذ تأسيس الهيئة أي دعوة لحضور جمعيتها العمومية ناهيك عن مسألة المشاركة في وضع لائحتها التنظيمية أو التعرف على قوانينها أو آليات عملها أو المشاركة في أي من لجانها العاملة إذا كان يوجد فيها أصلاً مثل هذه اللجان مثل لجان نقابية وأخرى تدريبية أو دفاعية أو أي صورة توضيحية من صور كيفية تمثيل الهيئة للصحفيين والكتاب. بل إنني لا أزال ومثلي الكثير من الصحفيين و الكتاب لا نجد تفسيراً لسؤال محير (واستدرك تحسباً لأقول أنه سؤال استفساري وليس سؤالاً احتجاجياً أو استنكارياً) وهو سؤال كيف تكون رئاسة هيئة الصحفيين ونيابتها لصحفيين يقومون برئاسة كبريات الصحف بالعاصمة إذا كان المفترض نظرياً على الأقل أن هيئة الصحفيين تمثل القطاع العريض من الصحفيين والكتاب الذين يعمل عدد كبير منهم في هذه الصحف نفسها وتريد تنظيم واجباتهم وحقوقهم والدفاع عنها لدى الصحف؟. وهل لا يعني ذلك أننا نتوقع من البشر فوق طاقتهم ليكونوا الخصم والحكم في أي إشكالية قد تواجه أي من الصحفيين والكتاب في تلك الصحف أو مع رئاساتها أمام تلك الهيئة المحتكمة لنفس رئاسة الصحف؟ قد يقول قائل وهو على حق «إنها الديموقراطية وأصوات الصحفيين والكتاب هي التي أوصلت نفس رؤساء الصحف ليترأسوا هيئة الصحفيين». إلا أن المنطق والأعراف الديموقراطية تقول: إن الديموقراطية ليست إلا مجرد أداة لتمكين الأغلبية من حقوقها وليست قيداً. ولتلك الأداة شروطها التي كان أبسطها في هذا السياق أن يكون هناك شروط للترشيح أو الترشح فلا يكون مرشحو رئاسة هيئة الصحفيين هم الرؤساء في الصحف. وفي هذه الحالة لهم الخيار أما أن يبقوا في مراكزهم الرئاسية في الصحف وينتمون إلى هيئة الصحفيين كأعضاء عاديين أو أن يتخلوا إن أرادوا الترشيح عن مواقعهم الرئاسية في الصحف ليخوضوا انتخابات هيئة الصحفيين بخبرتهم ومهنتهم الصحفية ليس إلا.
وهنا بعض النقاط التي قد تهم هيئة الصحفيين:
1- لا بد لهيئة الصحفيين من كتيب تأسيسي يحتوي على التعريف بها بطبيعة عملها بعدد لجانها, بنشاط تلك اللجان وباللوائح والقوانين التي تحتكم لها في العمل وكذلك قائمة بجميع أسماء الأعضاء المنتمين لها مع توضيح نوع العضوية وشروطها. (توزع مجاناً أو بمبلغ رمزي على كل من يعنيهم أمر هذه الهيئة من الصحفيين والكتاب).
2- لا بد لهيئة الصحفيين من إصدار «بطاقة عضوية « لكل المنتمين لها ممن دفعوا رسوم العضوية التأسيسية مثلي وسواي كثير.
- لا بد لهيئة الصحفيين أن تعقد اجتماعات دورية لجمعيتها العمومية لطرح المواضيع المتعلقة بصلب عمل الهيئة عن طريق الإعلان في الصحف والتعميم كتابياً على الأعضاء وخاصة في مناقشة تلك المواضيع التي يتطلب التصويت عليها نسبة تزيد عن نصف الأعضاء لإقرارها ديموقراطياً.
3- لا بد من تزويد كل عضو بمادة مكتوبة بكل حقوقه على الهيئة وواجباته تجاهها.
4- هناك مواضيع حيوية ومصيرية للعمل الصحفي ولمهنة الكتابة لا بد لهيئة الصحفيين من التوقف عندها وتبني طرحها وتنظيمها ومنها: مسألة التدريب، مسألة وضع حد أدنى لأجر الصحفي والكاتب, مسألة كُتاب القطعة والصحفيين المحترفين والمراسلين والهواة ومن في حكمهم،مسألة العضوية في مجالس إدارة الصحف تعطى لمن وتحجب عن من ولماذا, مسألة نسب العاملين في الصحف من أرباح المطبوعة،مسألة البعثات, مسألة التمثيل في المؤتمرات والمحافل الدولية ومصاحبة الرحلات الرسمية مما يكاد يجري احتكارها على ذوي المراكز في الصحف. فهذه عينة من مسائل ما زالت مع الأسف تخضع للاجتهادات الفردية وليس لها مرجعية منظمة يمكن أن يحتكم إليها الجميع.
5- لا بد للهيئة وقد حظيت بتمثيل نسائي وإن رمزياً من معالجة وجود المرأة في المقعد الخلفي من صحافتنا السعودية وبعدها عن المشاركة في مواقع القرار أو حتى في مواقع مهنية متطورة.
وأخيراً ولهيئة الصحفيين أن تتنفس الصعداء هناك قائمة أخرى من نقاط النظام التي تهم الهيئة بما يمكن أن أسهم به إن سمعت منهم أو لم يلغوا عضويتي التأسيسية في الهيئة بعد هذا المقال.