تفاجأت يوم الاثنين الماضي بأحد الزائرين المعتبرين لمعالي مدير جامعة حائل يعرج في معرض حديثه عن حائل وأهلها على ما قدمه رجال الأعمال الحائليون الذين كانوا عنوان وفاء ورموز عطاء لمنطقتهم خاصة وللوطن على وجه العموم، مدللاً بما قدمه ويقدمه الدكتور ناصر الرشيد والشيخ علي الجميعة والمهندس عبد الله الرخيص، مستشهداً بما تبرع به الدكتور الرشيد مطلع هذا الأسبوع حيث أنشأ هذا العام مستشفى ضخماً أعلن عنه أول هذا الأسبوع وهو مختص بالأورام بسعة 300 سرير متردداً هل هو في حائل أو في منطقة أخرى ربما تكون الرياض!!، «وهذا هو الشاهد، ومكمن الاستغراب».
فك اللغز الذي كان يدور في رأسي وأزال اللبس وأماط اللثام عن الحقيقة الكاتب المعروف د. علي بن سعد الموسى حيث كتب في نفس اليوم في زاويته المعروفة بجريدة الوطن «انتبهوا: الفكرة لناصر الرشيد»، ولكنه في ذات الوقت فتح الباب على مصراعيه للمطارحة والنقاش حول عدة أمور تتعلق بعدم علمنا بما يقدم من أعمال خيرية في طول البلاد وعرضها، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، ولهذه الإشكاليات معطيات وأبعاد عدة منها ما هو شرعي وآخر وطني والثالث ذاتي.
فشرعاً هل يعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) أن إخفاء الإنسان ما يقدمه من أعمال خيرية أمر مأمور به على إطلاقه وهو الأفضل في كل الأحوال أم أن هذا خاص بحالات معينة، مثلاً إذا خشي الإنسان على نفسه العجب والغرور وعلى عمله الرياء والسمعة وعلى المستفيد منه الانكسار والمهانة؟، وحجة الثاني والدليل الذي يقويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك إنفاق عثمان رضي الله عنه وقال على رؤوس الأشهاد عندما جهز رضي الله عنه جيش العسرة «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم»، وغير ذلك كثير سواء مع هذا الصحابي أو مع باقي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فلو كان الإعلام والإخبار بما ينفق الإنسان مثلبة لما تبناه معلم البشرية الخير ورسولها من رب العالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ووطنياً أين الوزارات والإدارات والمؤسسات ذات العلاقة من إبراز وتكريم وتسويق هذه المشاريع الخيرية الرائدة والرائعة ورصدها والإعلام بأصحابها فهم من يستحقون الإبراز والكتابة والتقدير، ومع أن هذا القول لا يعني إنكار أن هناك جهوداً متفرقة لإبراز رجال الخير والبذل والعطاء في وطننا المعطاء ولكن يبقى ما يقدمه الإعلام المحلي عنهم سواء صحافياً أو تلفزيونياً أو إذاعياً أو حتى من خلال منتديات النت أقل بكثير مما هو مطلوب، والاحتفاء بهم من قبل وزارة الشئون الاجتماعية مثلاً دون المستوى الذي يتطلع له كل محب للخير، ولعل ملتقى الجمعيات الخيرية الثالث يكون مخصصاً للكتابة والتدوين وبيان الرجال الذين ساهموا وبفاعلية في بناء جسد هذا القطاع الهام من قطاعات التنمية الوطنية المستدامة والشاملة في المملكة العربية السعودية، ألا وهو القطاع الأهلي التطوعي «الخيري» سواء أكانت مساهمتهم المشهودة والمؤثرة بأموالهم وجاههم أو بأبحاثهم ودراساتهم أو بجهدهم ووقتهم.
أما الذاتي فإن هناك عددا من أهل الخير لا يرغبون في ذكر أسمائهم ولا الإعلام بما يقدمون من عطاء، يدفعهم لذلك رغبتهم الصادقة بالإخلاص وتطلعهم لما عند الله عز وجل وقد يسجلون ما يقدمون تحت اسم «فاعل خير»، وأنا شخصياً أعرف عزوف بل رفض الدكتور ناصر الرشيد الكتابة عن مشاريعه الخيرية والإشادة بجهوده الطيبة إذ إن فلسفة هذا الرجل الإنسان في فعله الخير تقوم على قناعة تامة بأن المستفيد الأول من إسداء الخير للناس وصنائع المعروف هو المنفق بسخاء الذي هو حقيقة وفي كل الأحوال يقرض الله قرضاً حسناً، (وأي شرف أعظم وأجل من أن يكون الإنسان هذا المخلوق الضعيف العاجز يقرض أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين الغني العظيم الذي ليس بحاجة لأحد من خلقه، والسداد - والكلام ما زال للدكتور الرشيد - كما أنه في الدنيا وأراه في عيني أضعافاً مضاعفة بعد كل عطاء أريد به وجه الله سوف يكون بإذن الله في يوم المسغبة ولذا لا أرى الإخبار والإعلام عن أفعال الخير مهماً على الأقل في قناعتي ورؤيتي الشخصية التي لم تتغير عبر مرور السنوات وتعاقب الأيام) ولولا الله عز وجل ثم ما يبذله سعادة الأستاذ صالح بن إبراهيم الرشيد مدير عام مكتب الدكتور ناصر الرشيد للاستشارات الهندسية والقريب جداً من الدكتور ناصر من جهود لما استطاع الإعلاميون أن يعرفوا شيئاً عن أعمال الرشيد الخيرية سواء الداخلية منها أو الخارجية.
شخصياً أرى الإعلام بل أتطلع إلى أن يتبنّى إعلامنا السعودي برنامجاً خاصاً عن «أعمال الخير وصنائع المعروف» هدفه التعريف بأهل الخير وصنائعهم الطيبة، وما يدريك لعل مثل هذه الجهود تفتح الباب للآخرين وتؤثر عليهم وتدفعهم لدخول مضمار السباق إلى الله والتنافس من أجل الخير وفي سبيل خدمة المجتمع وتعرف العالم الخارجي بأن التبرعات والعطاء من صلب ديننا وقيمنا الخالدة وعاداتنا الحسنة وعرفنا الاجتماعي المتوارث جيلاً بعد جيل، ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء والسلام.