أعجبني رأي نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عندما علَّق على الموقف الإيجابي تجاه ما يصدر من تقارير عن قضايا حقوق الإنسان في المملكة عندما قال بوعي حقوقي يدرك طبيعة المرحلة الراهنة وطقس التغيّرات العالمية: «إن الأسلوب الأنسب في التعامل مع هذه التقارير الصادرة من مؤسسات دولية معتبرة يتمثّل في الاطلاع على التقارير ومراجعتها والنظر فيما تحتويه من ملاحظات ومقترحات تستوجب المعالجة وما نختلف معهم فيه لا نهتم فيه»، فجميعنا بات يرفض الأسلوب التقليدي والمتمثّل في الإسراع إلى رفض تلك التقارير دون تمحيص ودراسة، بل اتهام الجهة المصدرة لها بالتسييس والتحامل على بلادنا، والذي لم يعد مناسباً خاصة مع الانفتاح الإعلامي والشفافية التي نعيشها هنا في مملكة الإنسانية، ولا شك عندي أن هذا الأسلوب التقليدي الرافض يسيء للمملكة في المحافل الدولية، خاصة ونحن نعيش في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يمارس إصلاحات كبيرة ومهمة جداً في مجال تنظيمات وتشريعات حقوق الإنسان مع اعترافنا بأن تطبيق تلك الإصلاحات ما زال يصطدم أحياناً بصخرة التعقيد والبيروقراطية فيحرم المواطن من ثمرة تلك الإصلاحات والتي منها: زيادة التسامح بين مختلف شرائح المجتمع السعودي من خلال الحوار واحترام الرأي الآخر، وزيادة هامش الحرية الإعلامية والشفافية في المشهد الإعلامي والثقافي المحلي وكذلك توسيع مشاركة المرأة السعودية في مختلف جوانب التنمية وإصلاحات طموحة لقطاعات القضاء والتربية والتعليم، والمواطنون سمعوا وقرأوا أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خلال السنوات الست الماضية قد تناولت في تقاريرها المختلفة عدداً من القضايا منها ما يتعلّق بنظام الكفالة وما يترتب عليه من مشكلات وتجاوزات، وكذلك التأكيد على ضرورة إصدار نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية من أجل دعم وتعزيز ثقافة الحقوق، والتأكيد على تمتع الجميع بحقوق المواطنة الكاملة دون استثناء لأحد، إضافة إلى ضرورة معالجة قضايا العنف الأسري من خلال دعوتها إلى صدور نظام للحماية من الإيذاء وتجريم كافة أنواع العنف وكذلك عدد من التوصيات الأخرى التي سعت «الجمعية» من خلالها إلى إعادة معمار حقوق الإنسان من منظور مدني، ولكن رغم تلك الجهود الكبيرة للجمعية تبقى الكلمة الأخيرة للمواطن عندما يسأل: ماذا تحقق على أرض الواقع؟ وهل ساهمت الجمعية في رفع درجة وعي المواطن بحقوقه المشروعة في كل وزارة وهيئة تقدم له خدماتها؟ إن مثل هذه الأسئلة - في نظري - هي (الثرمو متر) الذي يقيس مدى تقدمنا نحن السعوديين في مجال تحقيق حقوق الإنسان، وهي مرآة المؤسسات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
أخيراً
كل التقارير المعنية بحقوق الإنسان ترى ضرورة مأسسة هذه الإصلاحات من أجل ضمان استمرارها وترسيخها وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية تمتزج بنسيج المجتمع الفكري، ولا شك أن هذا أمر يمكن تحقيقه من خلال تكثيف جهود الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، عندما تسعى جاهدة إلى تقنين ما دعت إليه من إصلاحات حقوقية وإصدار أنظمة تكون الإطار التشريعي لها في حياة المواطن والمقيم.