قرار مجلس الوزراء إلغاء شرط تملّك الأرض عند التقديم لطلب قرض من صندوق التنمية العقاري، هو قرار عقلاني ومنطقي، لسببين واضحين، أولهما أن من كان يرى حلم امتلاك منزل خاص حلمًا مستحيلاً، أصبح يرى أن حلم امتلاك مجرّد أرض جرداء، منخفضة أو على رأس جبل، أمرًا مستحيلاً مع تصاعد أسعار الأراضي الخرافي! بالتالي لا يمكن أن يمتلك شاب في الرابعة والعشرين أرضًا يبني عليها بيت المستقبل، خاصة أنه في هذا السن يحلم بوظيفة تليق بشهادته الجامعية! وليس من شبح أمامه سوى شبح البطالة!
أما الأمر الآخر، فهي الإعلانات المبوبة في معظم صحفنا، والتي تطالب الشاب بمبلغ خمسمائة ريال فقط، لضمان التقديم على صندوق التنمية العقاري، بمعنى أن هناك تحايلا صريحا ومعلنا على النظام، أي أن الأرض يتم تداولها بين عشرات، بل مئات الأسماء، فقط لضمان الحصول على رقم انتظار في صف طويل يبلغ زمنه عشرات السنين! لذلك ليس من جدوى في اشتراط ملكية الأرض للمتقدّم إلى الصندوق!.
ولا شك أن توحيد قيمة القرض بين المدن، وإلغاء نظام فئات المدن والبلدات والقرى المعمول به سابقًا، هو أمر مهم، فتكاليف البناء هي متقاربة إلى حد كبير بين مختلف مناطق المملكة ومدنها وقراها، لكن الأمر المحزن هو أن تبقى قيمة القرض كما كانت، أي ثلاثمائة ألف ريال، في ظل التزايد المسعور في تكاليف البناء، ومما يثير الضحك أو البكاء، فلا فرق بينهما، فالضحك الطويل يستجلب الدموع والآهات، أقول مما يثير أن آلية صرف الدفعات لدى الصندوق العظيم، تتضمن صرف الدفعتين الأولى والثانية، أي ما نسبته 50% من قيمة القرض، أي مائة وخمسون ألف ريال، بعد إنجاز الهيكل الإنشائي للمسكن، تخيلوا أن تنجزوا الهيكل الإنشائي أو (العظم) لمنزلكم، ثم تنتظروا الخمسين بالمائة، مم إذًا سننشئ الهيكل؟! وحتى لو تم دفع نصف القرض فور توقيع العقد مع الصندوق، فهل هذا المبلغ المتواضع يكفي لقيمة الحديد فقط مثلا؟!
قد يقول أحدكم، أنه حتى مع تواضع قيمة القرض، يحتاج المواطن إلى خمسة عشر عامًا وهو واقف في الطابور، فرضيعه أصبح الآن على أبواب الجامعة وهو ينتظر، هذا صحيح، وهذا ما كنا ننتظره من مجلس الشورى، وننتظر إقراره من مجلس الوزراء، بأن توضع آلية سداد محكمة، بالخصم من مرتبات المستفيدين السابقين من القروض من جهة، ودعم الصندوق ماليًا من ميزانية الدولة من جهة أخرى، فليس من المعقول أن كل 78 مواطنا من كل مائة لا يملك سكنًا شخصيًا في وطنه، خاصة ونحن في بلاد تُعد من أغنى بلدان العالم!
أبسط حقوق المواطنة، في نظري، أن يحظى المواطن بسكن يؤويه من احتمالات المستقبل ومفاجآت الزمن، بأن يشعر أن هذا الوطن وطنه، والأرض أرضه، أن له فيها مقدار متر مربع ينام عليه مطمئنًا، يشمُّ ترابه فيشعر بالأمان، فليس من قلق يحيط بالإنسان أكثر من قلقه على مصير أطفاله فيما لو جاء يومه المحتوم وهو ينام تحت سقف بيت مؤجر، وليس بينه أو بين أطفاله والشارع سوى خطوة! هل قلت خطوة؟ آسف، قصدت ركلة قدم واحدة فحسب!