شرف الله عز وجل هذه البلاد بأقدس البقاع وأطهرها مكة المكرمة والمدينة المنورة، وخص الله شعبها من بين سائر الأمم بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزائرين، إنه شرف لا يضاهيه شرف، ومكانة ومنزلة عظيمة لا تضاهيها منزلة، دولة راشدة ورجال مخلصون خصهم الله سبحانه وتعالى بحمل لواء خدمة هذا الدين وإعلاء كلمته، وخدمة ضيوفه الذين يفدون من كل فج عميق.
إن المملكة العربية السعودية تتأهب هذه الأيام المباركة لاستقبال ضيوف الرحمن، وقد أكملت الاستعدادات والتجهيزات الأمنية والخدمية لحجاج بيت الله الحرام، حيث دأبت أعزها الله على وضع خدمة ضيوف الرحمن في أعلى مراتب اهتماماتها، فوفرت لهم كل الإمكانات وجندت لهم كافة الطاقات سعياً منها لضمان تأدية جميع المسلمين لهذا الركن العظيم بسهولة ويسر، ولا شك أن ما يتحقق عاماً بعد عام من تصاعد في مستوى الخدمة والتنظيم رغم تزايد أعداد الحجاج في كل عام مرده بعد توفيق المولى عز وجل إلى جهود المخلصين من أبناء هذه البلاد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - الذين كانوا أهلاً لحمل شرف هذه المسؤولية فبذلوا الجهود المخلصة التي أثمرت تحقيق نجاحات متواصلة لمسها الجميع على كافة المستويات.
إن الخدمات الجليلة والجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة - وفقها الله - لخدمة ضيوف الرحمن والتيسير عليهم لأداء مناسكهم تنطلق من المسؤولية العظيمة التي يتشرف بحملها أهل هذه البلاد الطاهرة، فقد حرصت المملكة وعملت على تذليل الصعاب وتوفير أرقى الخدمات لضيوف الرحمن منذ عهد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز الذي أسس هذه البلاد على البر والتقوى وخدمة الحرمين الشريفين، وحجاج بيت الله الحرام، وسار أبناؤه الميامين من بعده على نهجه وخطاه، فأنفقت الدولة عشرات المليارات لتوسعة وعمارة الحرمين الشريفين وتهيئة الأماكن المحيطة بهما لتستوعب أكبر عدد من المصلين، ووفرت أرقى الخدمات الأمنية والصحية والاتصالات والمواصلات، وطورت منطقة جسر الجمرات من خلال المشروع العملاق لجسر الجمرات والتظيم المتميز للدخول إليه والخروج منه، مما سهل نسك الرمي على الحاج، بعد أن كان فيما مضى هذا النسك يشكل هاجساً مخيفاً بسبب شدة الزحام والتدافع بين الحجاج عند رمي الجمرات.
والاستعداد لموسم الحج يبدأ منذ انتهاء موسم الحج الذي قبله، حيث تعمل جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات ذات العلاقة على مراجعة أدائها خلال الموسم، والتعرف على أوجه القصور والسلبيات، ومن ثم إعداد الخطط لمزيد من تطوير الخدمات التي تقدمها للحجيج، و توفير كل سبل الراحة والأمن والطمأنينة لهم، بتوجيهات رائد نهضتنا وقائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الذي يُشرف بنفسه وبمتابعة شخصية منه -حفظه الله- لكل ما يخص شؤون الحجيج صغيرها وكبيرها، ولا يهدأ له بال حتى يغادر آخر حاج عائدًا لبلاده سليمًا معافى غانمًا فرحًا بأداء النسك.
وفي موسم الحج ترتفع وتيرة العمل على مدى الأربع والعشرين ساعة للسهر على راحة الحجيج وتقديم أفضل الخدمات لهم في مختلف المجالات ليؤدوا مناسكهم في يسر وسهولة، في جو مفعم بالأمن والأمان تحفهم عناية الرحمة. ويقوم على خدمتهم رجال مخلصون يرجون الأجر والثواب.
وإننا إذ نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وعلى منه وكرمه وتوفيقه، لنرفع أسمى آيات الشكر والعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ولسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وزير الداخلية، ولكافة الجهات الأخرى المعنية بخدمة ضيوف الرحمن على ما يبذلونه من جهود صادقة وخدمة وسهر على راحة وفود الرحمن حتى يتمكنوا - بفضل الله - من أداء حجهم براحة ويسر وطمأنينة وأمان وخشوع.
تحية إجلال وإكبار لكل رجال هذا الوطن المخلصين فيما يقدمونه من جهود كبيرة في خدمة الحجاج والسهر على راحتهم وأمنهم، ويحقق طموحاتهم في أن يوأدوا نسكهم في أمنٍ وسلام، كما أن الشكر يمتد لكل من تحمّل العبء الأكبر في خدمة ضيوف الرحمن في القطاعات الأمنية والجهات المسؤولة عن شؤون الحج من الوزارات والمؤسسات التي عملت الكثير من أجل راحة حجاج بيت الله العتيق.
وفق الله الجميع لخدمة ضيوفه وقاصديه، وحفظ الله مقدساتنا وبلادنا من كل مكروه إنه سميع مجيب.
* رئيس مجلس الشورى - عضو هيئة كبار العلماء