إعداد: خالد الدوس
مازال تاريخ الحركة الرياضية بالمنطقة الغربية يكتنفه مزيد من الغموض وأجواء تسودها الضبابية.. حول أحقية النادي الأول نشأة وقياما.. ممن يستحق الهرولة في مضمار الريادة والفوز بلقب أول ناد تأسس بالمملكة؛ فالوحدويون الذين طرزوا شعارهم الحالي بالرقم (1) إشارة إلى أقدميته وأحقيته بالريادة التأسيسية على صعيد الانديه المحلية, وبالمقابل يصّر الاتحاديون على أن عميدهم هو الأحق والأجدر بهذا اللقب التاريخي، وهو أول ناد تأسس بالمملكة عام 1347هـ، وفي ظل الخلاف الدائر في فلك الناديين والجدل البيزنطي حول لقب الزعامة والعمادة والفوز باللقب التاريخي.. اتجهت بوصلة (الجزيرة) إلى غرب المملكة في ضيافة عميد مؤرخي الحركة الرياضية.. صاحب اكبر موسوعة رياضية قدمها للمملكة الدكتور (أمين ساعاتي) المعروف بحجته القوية المدعومة بالوثائق المثبتة والحقائق الدامغة والصور التاريخية النادرة.. ليكشف لنا أوراقا عن حقيقة تأسيس ناديي الوحدة والاتحاد معززا أقواله ومدعما حديثه بالوثائق التاريخية والصور النادرة تنشر لأول مرة..
واليوم وعبر «الحلقة الخامسة».. يواصل المؤرخ الكبير الدكتور (أمين ساعاتي) سرد الحقائق والوثائق والوقائع.. عن تاريخ تأسيس نادي الاتحاد المخضرم الذي خص به (الجزيرة) نتناولها عبر الأحداث التالية:
الريادة «لعلي سلطان»..!
> إذا نظرنا إلى خريطة توزيعه وانتشاره نجد أن نادي الاتحاد كان يترامى على الحارات في إطارها الجداوي العام ولا يتخصص في حارة واحدة، يبدأ من خارج سور جدة من غرفة اللاسلكي ثم يتمدد إلى الداخل ويرسم بصفة تقريبية نصف دائرة، وهذا القوس الذي يبدأ من حارة الشام ثم حارة اليمن حتى يعود إلى الطرف الآخر من القوس حيث ينحني على حارة المظلوم.
ومن هذا الشكل القوسي تنبثق حقيقة أساسية وهي أن نادي الاتحاد لم يكن حاروياً، بل كان تعددياً ينتشر في كل الحارات.
وفي العقد الثاني من عمره يتجاوز السور ويعود إلى قاعدة الانطلاق في حارة العمارية التي كانت تقع خارج السور ومنها ينطلق مع الامتداد العمراني إلى كل الحارات حتى يلامس ساحل البحر الأحمر وعلى أطراف البحر ينشئ الاتحاد العلاقات مع كل مدن الساحل الوجه، ضباء، ينبع، ثم يتعرج إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت مدينة جدة هي بيت الاتحاد إلا أن جدة المتميزة بانتشارها على كل المدن السعودية منحت الاتحاد سهولة الانتشار في المدن السعودية والخليجية والعربية.
إذاً رئة الاتحاد من كل الحارات والقرى والهجر والأمكنة والمدن ليس في السعودية فحسب وإنما في كل دول الخليج العربية والعربية. وإذا كان الاتحاد قد تراجع في المنطقة الوسطى مع بداية الثمانينيات والتسعينيات ببزوغ الشباب والرياض والنصر والهلال وانتشارهم، فهو جبهة قوية زاحفة بقوة لعقود مديدة.
ويكاد الاتحاد ينفرد بين الأندية السعودية بأنه لم يعرف من جماهيره التحول إلى غيره، وإن عرف الانشقاق المؤقت في السبعينيات، فإنه عرف الالتحام الدائم المستمر.
أما اللاعبون الذين فرحوا بقرار التأسيس والولادة وانخرطوا في التمارين منهم: أحمد تكروني، وطموش، وعلي عماشة، وعلي يماني، وبكر غريب شاه، وأحمد أبو طالب، وإبراهيم أبو شوشة، وعبد الله العدني، وحسن كامل، وحسين العدني.
وقال لي العم عبد العزيز جميل أن المؤسسين اجتمعوا في اليوم التالي ببيت عبد العزيز جميل بالكيلو اثنين طريق مكة (1)، ليشكلوا مجلس الإدارة ويضعوا بقية الأسس اللازمة لقيام ناديهم، كالشعار، والملعب، واللاعبين.
وبالنسبة لاختيار اسم «الاتحاد» كاسم على هذا النادي العريق، فلم أجد جواباً من كل الذين اجتمعت بهم من المؤسسين المذكورة أسماؤهم أعلاه، ولكن البعض قال لو نظرنا إلى المناخ الرياضي السائد في المنطقة، فإننا نجد أن هذه المدينة كانت تتأثر رياضياً بمدينة الإسكندرية ثغر مصر على البحر المتوسط، كما كانت تتأثر بمدينة بورسودان ثغر السودان التي تقع على الساحل المقابل في البحر الأحمر..
إزاء ذلك لا أستبعد أن يكون اختيار اسم «الاتحاد» هو تيمناً باسم الاتحاد الإسكندراني الذي كان موجوداً قبل تأسيس الاتحاد الجداوي بسنوات(2)، أو تيمناً باتحاد بورسودان الذي كان يقع - كما ذكرنا ـ على الساحل المقابل من البحر الأحمر، وكان الاتحاد - عن طريق زهران إسماعيل - يستقدم منها ملابس لاعبيه الرياضية.
وبالنسبة لرئاسة النادي فقد أبلغني الجميع أنهم اختاروا علي سلطان رئيساً بحكم أنه كان يحتل منصباً حكومياً وجيهاً ورفيع المستوى في مدينة جدة (مصلحة البرق والبريد)، وبذلك فإن مجلس إدارة الاتحاد الذي تشكل في عام 1347هـ. هو أول مجلس إدارة في تاريخ الاتحاد وتاريخ الأندية السعودية(3).
تاريخ تأسيس الاتحاد.. الإثباتات والشواهد..!
البعض له وجهة نظر فيما يتعلق بتأسيس الأندية السعودية، ويقولون كيف نشير إلى أن الكرة بدأت في مكة المكرمة، ولكن أول ناد سعودي تأسس في جدة.
والسؤال يبدو معقولاً، ولكن الحقائق على الأرض تؤكد بأن البيئة السياسية المستقرة وفرت لشباب جدة فرص تنظيم أنفسهم وممارسة هواياتهم الرياضية، وحتى هواياتهم الأدبية، ولكن في مكة المكرمة كان الأمر مختلفاً تماماً، كان الملك عبد العزيز منذ دخوله إلى مكة المكرمة محرماً في عام 1343هـ(1924م) كان يناقش مع أهالي مكة، أسس بناء الدولة ابتداء من الاتفاق على مبايعته ملكاً شرعياً للبلاد ثم تشكيل المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني الجديدة، أي أن مكة وأهلها وشبابها كانوا مشغولين بالعمل السياسي أكثر من انشغالهم بالعمل الرياضي، أما الرياضة - كما ذكرنا - كانت تشغل اهتمام الجاليات الإندونيسية والجاوية والمالوية أكثر من انشغال شباب مكة بها، ولهذا بدأت الكرة في مكة - عبر الجاليات - قبل جدة، أي أن أهالي مكة شيوخها وشبابها اهتموا بالبناء السياسي للدولة الجديدة وإنهاء مخلفات النظام السياسي السابق، ووفروا على شباب جدة مهمة العمل السياسي الذي تم الاتفاق عليه بين أهل مكة وبين الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
وهكذا، بالنسبة لجدة الوضع كان مختلفاً - كما ذكرنا - إذ أن أهاليها وشبابها وجدوا حكومة قد جرى الاتفاق على تشكيلها في مكة ومبايعة للملك العادل قد تمت ودولة فتية قائمة واستقرار سياسي بدأت بوادره تلوح..
وهكذا كانت المصالحة بين شباب جدة مع البيئة السعودية الجديدة.. سبباً في انشغال شباب جدة بتأسيس أول ناد سعودي باسم الحجاز الرياضي في عام 1346هـ(1925م) وانخرط فيه مجموعة كبيرة من أبناء البيوتات الكبيرة، مثل: بيت زينل وبيت زاهد وبيت باناجه وبيت الجمجوم وبيت نصيف... ولكن المخلفات الثقافية للنظام السياسي السابق لعبت دوراً في التأثير على مسيرة النادي الجديد حيث تأثر ببقايا تقاليد النظام البائد الذي كان يميز بين الطبقات الاجتماعية في الحجاز، مما أدى إلى بزوغ نادي جديد اسمه الاتحاد وفقاً لتطلعات النظام السعودي الجديد. ولذلك فإن عجلة التصحيح الذي كان يقودها المؤسس الملك عبد العزيز -يرحمه الله- أزالت بعض الانحرافات الاجتماعية مما أدى إلى الاختلاف بين مؤسسي الحجاز الرياضي والاتفاق على تأسيس نادي يجمع ولا يفرق، يضم ولا يشعتر، يصون ولا يخرب، يعضد ولا يمزق، يوحد ولا يبعثر، يحمي ولا يهدد. وهو نادي الاتحاد العربي السعودي. وهكذا تأسس نادي الاتحاد العميد في عام 1347هـ(1926م) من الحجاز الرياضي الذي لعب مع الاتحاد مباراة آخر العمر في عام 1351هـ (1932م)، وانتهت المباراة بفوز الاتحاد 3-0 وكانت الضربة القاضية للحجاز الرياضي أو الرياضي الحجازي(4)، وهذه المباراة تؤكد بأن الاتحاد ليس امتداداً للحجاز الرياضى وإنما هو منبثق عنه وتأسس فى عام 1347هـ وليس فى عام 1346هـ.
وهكذا تقدم شباب جدة نحو تأسيس الأندية الرياضية السعودية الأولى بينما كان الشباب في مكة المكرمة مشغولين بتأسيس الدولة ووضع التشكيلات الحكومية وبناء سلطاتها التشريعية (مجلس الشورى) والتنفيذية مجلس الوكلاء والقضائية، وكذلك لأن موقع جدة كأهم ميناء على البحر الأحمر أعطى فرص إقامة المباريات مع فرق البواخر التجارية القادمة من بريطانيا بخبرات رياضية متقدمة.
والجزم بأن نادي الاتحاد بجدة تأسس في عام 1347هـ يستند إلى الكثير من الشواهد والحقائق، وأول هذه الشواهد هو الاتصالات التي أجريناها مع المؤسسين أنفسهم الذين أقروا بأنهم أسسوا نادي الاتحاد في غرفة اللاسلكي في ملعب نادي الاتحاد الأقدم الواقع أمام مقبرة أمنا حواء ومن هؤلاء المؤسسين عبد العزيز جميل، عبد اللطيف لنجاوي، عبد الله بن زقر، عبد الرزاق عجلان، حمزة فتيحي، وزهران إسماعيل، وعثمان باناجه، وعبد اللطيف جميل، وعباس حلواني، وصالح سلامة، وعبد الصمد نجيب، وعبد الله جميل.
ولذلك فإن تأسيس نادي الاتحاد من ناحية الاتحاديين لا خلاف عليه. ولكن المشكلة أن البعض من غير الاتحاديين ممن ينتمون إلى أندية أخرى يزعمون أنهم يعرفون الاتحاد أكثر من الاتحاديين، ويدعون أن الاتحاد تأسس بعد هذا التاريخ وليس في عام 1347هـ.
ولكن صحيفة صوت الحجاز نشرت في عددها (2) بتاريخ الاثنين 5 ذي الحجة 1350هـ الموافق 11 إبريل 1932م تعليقاً على مباراة بين الاتحاد والفلاح انتهت بالتعادل صفر- صفر، والمهم في الموضوع أن هذه المباراة أقيمت بعد تأسيس الاتحاد بثلاث سنوات، وإذا قرأنا مقتطفات من التعليق نشعر إن إمكانات الإتحاد وأجواء المباراة تؤكد أن الاتحاد تأسس قبل ثلاث سنوات أو أكثر بينما فريق الفلاح تأسس حديثاً، وجاء في التعليق على المباراة:
«تعد هذه المباراة أول مباراة لفريق الفلاح لأنه تأسس قريباً فكل نقص ينسب إليه يضمحل إذا ما نظرنا إلى مدة تأسيسه وما أبداه من الدفاع والاستبسال، فقد اجتهد الظهيران واستماتوا إلى حد بعيد وكان الدفاع المتحرك له في غاية من المتانة والقوة الفنية مما جعلنا نؤمل فيهم في المستقبل ما يثلج الصدور، أما الاتحاد وهو أقوى الفرق الحجازية لأن فيه من اللاعبين من مارس الألعاب الرياضية في السودان ومصر فقد كان قوياً غير أن الذي يعاب عليه استهتاره وغطرسته نحو خصمه مما يجعله يخرج في أغلب المباراة إما مغلوباً أو متعادلاً، فلو ترك هذه العادة واعتمد بنفسه وحَسَّبَ لخصمه كل شيء لكانت نتائجه بشكل ثان وأملنا في جميع الفرق النهوض والاستمرار مع المحافظة على أصول الألعاب وعدم الخروج عنها ومسامحتي في المراقبة هذه فليس لي غرض سوى خدمة الحقيقة».
ولو تأملنا العبارة التي جاءت في التعليق والتي تقول:
«أما الاتحاد وهو أقوى الفرق الحجازية لأن فيه من اللاعبين من مارس الألعاب الرياضية في السودان ومصر فقد كان قوياً...».
هذه العبارة كافية للقول بأن تاريخ نادي الاتحاد يرجع - على أقل تقدير - إلى ثلاث سنوات مضت، وإذا أضيف إلى ذلك إجماع المؤسسين بأن نادي الاتحاد تأسس في عام 1347هـ فإن المباراة التي أقيمت في عام 1350هـ بهذا الزخم الاتحادي - كما جاء في التعليق - كافية للتأكيد على أن الاتحاد هو العميد وأن تاريخ تأسيسه لا تشوبه أي شائبة، كما أن صحيفة صوت الحجاز علقت في عددها (8) بتاريخ 25 محرم 1351هـ الموافق 30 مايو 1932م، ص8. على المباراة التي أقيمت بين الاتحاد وفريق الرياضي الحجازي (الأب) وانتهت المباراة بفوز الاتحاد 3-0 وبعد هذه المباراة لم تقم قائمة لفريق الرياضي الحجازي الذي خرج نادي الاتحاد من تحت عباءته.
أول مجلس إدارة
من 1347هـ -1350هـ
السيد علي سلطان رئيساً ، صالح سلامة مدرباً وقائداً، عبد العزيز جميل سكرتيراً، عبد الرزاق عجلان عضواً، عباس حلواني عضواً، عثمان باناجه عضواً، عبد الله بن زقر عضواً
عبد اللطيف لنجاوي عضواً، عبد اللطيف جميل عضواً، زهران إسماعيل عضواً.
ويعتبر هذا المجلس هو أول مجلس إدارة في تاريخ الأندية السعودية. ولقد استخدمنا عبارة «تشكيل» مجلس إدارة منذ بداية تاريخ الأندية في عام 1347هـ حتى عام 1373هـ ثم بعد ذلك نستخدم كلمة «انتخاب» مجلس الإدارة حيث أصدرت إدارة الشئون الرياضية بوزارة الداخلية في هذا التاريخ أول نظام في تاريخ الحركة الرياضية يشير ولأول مرة إلى حتمية «انتخاب» مجالس إدارات للأندية.
ثاني مجلس إدارة لنادي الاتحاد 1350هـ -1354هـ
عبد العزيز جميل رئيساً، عباس حلواني عضوا، عبد الصمد نجيب عضواً.
ولقد تعرضت الأندية منذ عام 1354هـ حتى عام 1369هـ لنوع من الركود بسبب كثرة المشاجرات في الملاعب وملاحقة رجال الأمن للفرق الرياضية، ومطاردة هيئة الأمر بالمعروف للشباب لحضهم على الصلاة وعدم الإنشغال بالكورة، كما كانت الأزمة الاقتصادية ورياح الحرب العالمية الثانية تؤثر سلباً على النشاط الإقتصادى وبالتالى على نشاطات الفرق الرياضية.
وإزاء ذلك ترك الكثير من رواد الاتحاد ناديهم وانشغلوا بأمور الحياة والتجارة. ولذلك فإننا نلاحظ - خلال هذه الفترة الزمنية التي تربو على الخمسة عشر عاماً - تغييراً في إدارة النادي، فبعد أن كان مجلس إدارة النادي يبدو وكأنه تنظيم إداري عصري متكامل، فإذا به يأخذ شكل الإشراف الفردي الذي لا يتجاوز الاثنين أو الثلاثة من الإداريين..
ومنذ عام 1354هـ أخذ حمزة فتيحي القيادة دون أن يعين رئيساً:
1354هـ - 1357هـ
حمزة فتيحي قائداً
1357هـ - 1368هـ
محمد سعيد بن فريج رئيساً، حمزة فتيحي قائداً، صالح سنبل عضواً.
1368هـ-1368هـ
صالح سنبل رئيساً، حمزة فتيحي قائداً.
ولم تتجاوز فترة رئاسة صالح سنبل للنادي الأسبوعين. حيث حمل اللاعبون حمزة فتيحي
- يوم تمرينهم - فوق أعناقهم وأخذوا يطوفون به في الملعب ويقولون: عاش الرئيس.. سقط الرئيس، أي عاش حمزة فتيحي رئيساً ويسقط صالح سنبل من الرئاسة.
الرئيس للاعبيه:
وَرُّوني عرض أكتافكم
في الفترة التي كان فيها محمد سعيد بن فريج رئيساً لنادي الاتحاد كان يعقد اجتماعاته باللاعبين في منزله بحارة الشام، وكان منزله بمثابة المقر الرسمي للنادي.. وكان مجلس محمد سعيد بن فريج يتميز بخفة الظل وحب الناس. وفي أحد اجتماعاته بلاعبي الفريق كان لدى محمد سعيد موعداً آخر عقب الاجتماع مباشرة. ولكن اللاعبين كعادتهم لم يبرحوا المجلس مما اضطره أن يلمح لهم بأنه على موعد، ولكن بعض اللاعبين لا يريدون أن يفهموا هذه «الإلماحة» فجلسوا - مع سبق الإصرار - وهنا انزعج محمد سعيد وصاح بأعلى صوته: وَرُّوني عرض أكتافكم.. يا ناس لا يفوتني الموعد.
في الطريق.. مع بن فريج
التقيت بالعم محمد سعيد أمام مسجد المعمار الواقع بين سوق العلوى وشارع قابل بقلب مدينة جدة، وكان ذلك في يوم 1ربيع الثانى1406هـ قلت له: نادي الاتحاد يؤرخ لك ثلاث سنوات رئاسة. قال وهو المبتسم المازح دائماً: روح يا واد.. أنا أؤرخ للاتحاد وليس الاتحاد يؤرخ لي. قلت له: كيف!!
قال: أنا أصلاً كنت رئيساً بالاسم.. حمزة فتيحي كان الكل في الكل.. حمزة ما يرتاح إلا إذا أكل الجو كله.. وهو بالإضافة إلى كده مكلمنجي من الطراز الفريد وما أحد عرفه إلا أنا.. علشان كده اختلف بعدي مع عبد العزيز جميل.. وشق الاتحاد الوطني من الاتحاد السعودي. وحمزة طيب وعملي من الطراز الممتاز.
قلت له: طيب لماذا لم يرشح حمزة فتيحي نفسه للرئاسة؟
فقال: لي الاسم وله العمل، وهذه طبيعة حمزة.. يهمه العمل أكثر من الاسم.. وعلشان كده سبته وأنا رئيس يتصرف هو لأن اللاعبين كلهم يحبونه ويحترمونه.
نيشان الناظر
دعا الشيخ أحمد ناظر أندية جدة للتبارى في أول مسابقة للأندية السعودية على نيشان باسم ابنه فؤاد ناظر، وأسند إلى لجنة فنية مهمة وضع جدول المباريات والإشراف الكامل على المسابقة.
وقد شهدت هذه المسابقة انسحاب ثلاثة أندية وهي: البحري والرياضي وشباب إندونيسيا وبقي فريقا الاتحاد والمختلط؛ حيث جرى اللقاء بينهما.
وفيما يلي تفاصيل لقاء الاتحاد والمختلط على نيشان الناظر.
يقول أحمد ناظر: حينما التقيته في داره بحارة الشام بجدة: اقترح ابني فؤاد أن أنظم مسابقة بين أندية كرة القدم الموجودة في جدة على كأس أو نيشان.. فلاقت الفكرة تجاوباً في نفسي وذهبت إلى الأندية للتبارى عليه في أول مسابقة في تاريخنا الرياضي والتي وافقت على الاشتراك فيها الأندية: الاتحاد، المختلط، البحري، الرياضي، شباب إندونيسيا، بيد أن البحري والرياضي والإندونيسي أعلنوا اعتراضهم على بعض قرارات اللجنة وانسحبوا من الدوري، ورد فريقا الاتحاد والمختلط باللعب على النيشان في 30 شوال 1351هـ.. وكان طاقم الاتحاد في ذلك الوقت مكوناً من:
طموش - عبد الصمد نجيب «باك ثابت» - غريب شاه «باك متحرك» - عثمان باناجـه
زهران إسماعيل - صفوان - علي يماني - السيد عبد الله - حسن كامل - يوسف فيسا
حمزة فتيحي.
وكانت طريقة اللعب في ذلك الوقت.. هي طريقة الظهير الثابت والمتحرك..
وهذا وصف تفصيلي عن هذه المباراة التاريخية(5):
ابتدأ اللعب في الساعة 6.10 وكان المختلط ضد الهواء وسرعان ما اشتد الضغط على مرماه وتوالى فوز الاتحاد بالضربات الركنية لشدة الهواء حتى بلغ محصوله منها في مدى خمس وثلاثين دقيقة سبع ضربات، ولم يكن في اللعب (جملة وتفصيلاً) أية لذة فنية فكان كل لاعب من المختلط في معزل عن الآخرين ولم يبد في دفاعهم ولا في هجومهم ما يشعر بأنهم يفهمون معنى التعاون والتبصر، وقد ساعد هذا الخلل في صفوفهم على إظهار الاتحاد الأجدر بالالتفات مع بساطة ألعابه وخلوها كثيراً من خطة معينة فكانت الكرة تدور كيفما يتفق ولكنها في بعض الفترة خطرة ورشيدة ولاسيما عند استعمال التوزيع الأرضي القصير.
وامتاز في هجوم الاتحاد جناحه الأيسر وقلبه الذي عرف كيف يستفيد من مرونة ساعده الأيسر (يوسف من لاعبي أهلي مكة) وقد كان الأخير نقطة اتصال خطرة بين القلب والجناحين، وقد سجل الاتحاد أولى إصاباته على إثر توزيعة محكمة إلى الساعد الأيمن فأرسلها إلى المرمى بعد 25 دقيقة. وقبل نهاية الشوط الأول بدقيقتين فاز الاتحاد بإصابة ثانية من قبل هجومه بضربة عكسية كانت دليلاً على المهارة ودقة التصويب وحسن الطالع معاً. وابتدأ الشوط الثاني في الساعة 12.11 بعد استراحة ثماني دقائق وقد سكن الهواء تماماً.. ولم يطرأ على موقف المختلط أي تبدل لولا أنه أفلح في الضغط طويلاً على مرمى الاتحاد ولكن..هجومه يفقد تماسكه دائماً في الخطة التي يتضح فيها سبيل النجاح فلم ينل غير أربع ضربات ركنية، وكانت نتيجة هذا الضغط الذي زحزح الدفاع إلى الأمام سيئة للغاية فقد تخلص جناح الاتحاد الأيسر بالكرة فنهب بها هو ويوسف ثلاثة أرباع الملعب فهددا بها مرمى المختلط وتلقفاها أخيراً وتبادلاها في لمح البصر حتى تخطيا الدفاع والظهيرين وأودعها يوسف مرمى المختلط بهدوئه المدهش وكانت الإصابة الثالثة، ولن ننسى لقلب دفاع الاتحاد صفوان الذي هو (من لاعبي أهلي مكة) مهارته في تشتيت هجمات المختلط وحرمانه من فرص كادت تنشأ عنها إصابات محققة ضد الاتحاد، وهكذا يمهد حسن الحظ في سبيل الفوز للاتحاد في مباراة جدية كهذه بلا عظيم عناء فنهنئه، ونؤمل أن يكون المختلط في المستقبل أكثر حرصاً على تنظيم صفوفه، ونعتقد برغم ضعفه الواضح أنه لم يكن بينه وبين الفوز إلا أن يحتفظ لاعبوه بهدوئهم فلا يبددوا جهوداً عبثاً باللعب الانفرادي الممقوت»(6).
وبرغم أن هذا الوصف وصف لمباراة قديمة، فإنه يعطينا فكرة عن مستوى التعليق الرياضي في ذلك الوقت.. وأعتقد أن الملامح التي تناولها الكاتب توضح تفاوت النقد الرياضي بين ذلك الجيل وهذا الجيل. كما تجسمه بين لاعبي الأمس ولاعبي اليوم.. وسبق أن جئنا على بحث هذا الموضوع في تطور كتابة التعليق الرياضي في المجلد الرابع (الإعلام الرياضي).
المشكلة البلاغية في أسماء الاتحاد
ولقد أثارت هذه المباراة مشاكل كثيرة بين الأندية عند إقامتها في عام 1351هـ (1933م)، ثم لأهميتها التاريخية مازالت تثير التعقيبات حولها حتى اليوم. فبعد مرور نحو أكثر من ثمانين عاماً زعم البعض خطأ أن نادي النصر وليس نادي الاتحاد هو الذي لعب أمام المختلط، وأنني تواطأت مع الاتحاد وشطبت اسم نادي النصر ووضعت محله اسم نادي الاتحاد.
والواقع أن مشكلة قراءة المقدمات فقط دون التوغل في قراءة النص كاملاً مازالت تحيرني. وأود أن أوضح بأن الاتحاد هو الذي لعب ولم أجر أي تعديل، وأنه لم يكن أي وجود لناد باسم النصر.
إن المعلق الذي قام بالتعليق على هذه المباراة (ويبدو أنه كان اتحادياً) استخدم ما يسمى في علم البلاغة بالتشخيص، فعبر عن الاتحاد المنتصر باسم النصر. والنصر هنا اسم معنوي وليس اسماً حسياً. أي أن النصر ليس فريقاً وإنما هي استعارة تصريحية تعبر عن الفريق المنتصر المعروف باسم الاتحاد.. وأؤكد أن الفريق الذي لعب هو الاتحاد الذي لقب بـ «النصر».. إن فريق النصر هو الاتحاد الذي انتصر وليس هناك أي وجود لفريق اسمه النصر، وإنما هي استعارة بلاغية استخدمها المعلق لتفخيم الاتحاد، فأسمى الاتحاد بالفريق المحقق للنصر في المباراة، وجعل يردد فريق النصر.. فريق النصر، وهو يقصد فريق الاتحاد.. فريق الاتحاد. أي الفريق الذي حقق النصر ولا يحقق النصر إلا الاتحاد كما رأى المعلق في تعليقه. وإذا كان الاتحاديون يلقبون ناديهم في الماضي بالنصر، فإنهم يلقبون ناديهم في هذه الأيام باسم «العميد» ولا يعني هذا أن هناك فريقاً باسم العميد.
أسباب تكوين شعبية الإتي
يقوم نادي الاتحاد - كما هو معروف - على قاعدة شعبية واسعة. ولهذه القاعدة قصة، فقد لعب الاتحاد في فجر تاريخه مع فريق مختلط من الجاوا والفلمبان، وكانت هذه المباراة بمثابة أول مباراة يلعبها فريق سعودي وفريق أجنبي. ونشأ بين الفريقين تحد كبير، وكان هذا التحدي يتمثل في أن يلعب الفريقان مباراة على أن يقوم المهزوم بحرق الخشبات الثلاث. وكان الفريق الجاوي معتداً بنفسه أكثر من اللازم، فقد طالب بأن يكتب تعهداً خطياَ بين الفريقين بحرق الخشبات - في السفارة الإندونيسية. ووافق الاتحاديون على ذلك وكتبوا التعهد.. بالإضافة إلى أن الجاوا كانوا قد أحضروا عشاء للاحتفال بالفوز.. وبدأت المباراة وأراد الله سبحانه وتعالى أن ينصر الاتحاد بثلاثة أهداف. وكانت بمثابة الضربة القاضية على الجاوي فأحرقوا الخشب وقلبوا قدور «العشاء» تعبيراً عن شديد حزنهم وخيبة أمالهم.. وبذلك تكونت شعبية الاتحاد لأنه فريق وطني فاستمال حب الجماهير بمختلف انتماءاتها(7).
... يتبع