فتاه في ريعان الشباب تدهورت حالتها في أيام معدودات, أمام أنظار والديها وأقربائها، وهم عاجزون عن مساعدتها على البقاء. لا اعتراض على ما كتب الله، ولكن حين يفشل الطبيب في تشخيص المرض القاتل في موعده، وتتدخل البيروقراطية في منع مريض من الحصول على فرصته في العيش، لأسباب إدارية، وإجراءات رسمية، و(عدم توفر سرير) فذاك يعني التقصير القاتل المُخل بالمسؤولية، ولا شيء غير ذلك.
لم تكتمل فرحة «أسماء» بدخولها الجامعة، فقد كان القدر لها بالمرصاد، لم يمهلها إلا أسابيع معدودة قبل أن تكتشف إصابتها بالمرض الذي أبقاها في المستشفى أربعة عشر يوما كانت كفيلة بالقضاء على أعضائها الرئيسة، الكبد، والكلى، قبل أن تلقى ربها بروحٍ راضية مطمئنة. عانت أسماء، ووالديها في الحصول على (كبد) بديلة، و(توسلوا) الحصول على سرير في مستشفى الملك فيصل التخصصي، يجعلها أقرب إلى مصدر الأعضاء المُتبرع بها، أو المستوردة من الخارج، دون جدوى. مشيئة الله، وقدره سبقت ما خطط له محبوها، والباحثون لها عن علاج.
حالة «أسماء» تنطبق على كثير من مرضى الكبد الذين لا يجدون المتبرع، ولا يُقبلون في المستشفيات المتخصصة، فيستسلمون لقدرهم الذي لا يُرد. تنفق الدولة، رعاها الله، مئات المليارات على الخدمات الصحية، إلا أن الأداء العام للصحة لا يتناسب البتة مع ما توفره الدولة لهذا القطاع المترهل. أمراض السرطان، الكبد، الكلى باتت تنتشر في مجتمعنا بشكل لا فت وهو ما يستوجب زيادة الإنفاق الحكومي في بناء المستشفيات المتخصصة في جميع مناطق المملكة، وإعادة تأهيل بعض المستشفيات التي تفتقر الكوادر الطبية القادرة على التعامل مع الأمراض الخطرة بكفاءة. التشخيص الصحيح قد ينقذ المرضى من بلوغ مرحلة اللا عودة، ويوفر على الدولة أموال العلاج المستمر.
آلية تحويل المرضى إلى المستشفيات المتخصصة بحاجة إلى معالجة سريعة، فبعض الأمراض لا تمهل المرضى إلا أيام معدودة تنقضي قبل الانتهاء من إجراءات القبول، والنقل. معزوفة «تم القبول ولا يوجد سرير شاغر» تعني الفشل الذريع في معالجة الحالات المرضية الحرجة، وتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، ويُفترض ألا نسمعها في دولة تنفق على قطاعها الصحي ما يقرب من 17 في المائة من ميزانيتها السنوية.
ثقافة التبرع بالأعضاء ما زالت قاصرة برغم الجهود الرسمية، وحرص الجمعيات المتخصصة على فتح باب التبرع على مصراعيه. اجتهدت المملكة في توفير زراعة الأعضاء البشرية محليا، حين بادر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، بإنشاء مركز متخصص يُباشر التنسيق لزراعة الأعضاء والتبرع من المتوفين دماغياً العام 1404 ه. تطورت إجراءات وأنظمة التبرع بالأعضاء منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وكان لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي دور مهم في إعداد برنامج التبرع بالأعضاء بين الأحياء غير الأقارب الذي وافق عليه مجلس الوزراء الموقر. يُعنى المركز السعودي لزراعة الأعضاء بزراعة الكبد، الكُلى، القلب، الرئة والقرنية، إلا أن المشكلة تبقى في توفير العضو البديل. لو تبنى المجتمع مشروع التبرع بالأعضاء، لما احتجنا لشراء الأعضاء البشرية من الخارج، أو البحث عن متبرع من الأقارب أو الأحياء، ولأمكن الحصول على الأعضاء بسهولة، وقبل وفاة المرضى كما حدث ل «أسماء» رحمها الله.
أعداد مهولة من وفيات الحوادث، والمتوفين دماغيا تحدث في المملكة كل عام، إلا أن أعضائهم المهمة تُدفن معهم بسبب عدم موافقة الأهل، أو عدم حملهم وثيقة التبرع بالأعضاء. أجزم بأن لعلماء الدين دور مهم في هذا الجانب؛ ففتوى جواز التبرع بالأعضاء لم تحقق الهدف منها بعد بسبب جهل الكثير من المواطنين والمقيمين بها. نحتاج من العلماء، الخطباء، أمراء المناطق، وأصحاب الفكر والرأي، والإعلام الدفع بقوة نحو تأصيل هذه الثقافة في المجتمع لإنقاذ المرضى ومساعدتهم على العيش وممارسة حياتهم الطبيعية.
الأمير عبدالعزيز بن سلمان
مُقيم عربي خدم الدولة لأكثر من 33 عاما، وما يزال على رأس العمل. فُجِع بابنتيه، الأولى طبيبة توفيت في وطنها بسبب إصابتها بعدوى قاتلة في معملها الطبي الذي كانت تسعى من خلاله التوصل لعلاج مرض عضال؛ والثانية لإصابتها بمرض الفشل الكُلوي. أسيرة الفشل الكُلوي من مواليد المملكة، وأنهت دراستها الابتدائية، المتوسطة، والثانوية فيها، وهي تعيش في كنف والديها بظروف حرجة. تتلقى الغسيل الدموي لثلاث مرات أسبوعيا، على نفقة والدها الذي لا يتجاوز مرتبه الشهري 3500 ريال!. تقدمت إلى جمعية «كلانا» وما زالت تنتظر الرد... ومنا إلى صديق مرضى الكلى، والمشرف على جمعية «كلانا» الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، لضمها إلى مرضى الجمعية، فهي أكثر المستحقين بحكم المولد، النشأة، التعليم، الظروف المالية، وخدمة والدها الطويلة في المملكة.