تتعدد جلسات أقطاب (القيادة الإسرائيلية)، وتتنوع مسمياتها، فتلك جلسات تتلون بألوان فصول السنة؛ شتوية وربيعية وصيفية وخريفية، وأخرى تواكب عقارب الساعة، وثالثة أمام الأضواء للعلاقات العامة والإعلام، أما جلسات الخفاء فحدث ولا حرج! إنهم لا ينامون، ونحن في غفلتنا ماضون!بالأمس الاثنين 3-11-1431ه الموافق 11-10-2010م شاهدت جزءاً من الجلسة الافتتاحية (العلنية) وهي جلسة تمهيدية لسلسلة لقاءات قادمة للكنيست الإسرائيلي بكل أحزابه وفي مقدمتهم حزب شاس الذي لا يقبل بغير سحق الفلسطينيين بديلاً في دورته الشتوية التي ستكون (حتماً) حافلة بالتخطيط للمزيد من الافتراس، واستمعت إلى كلمات بعض الأضداد الذين اجتمعوا على نبض قلب واحد من أجل (إسرائيل)! وقد هالني ما سمعت من (جولدامائير العصر) الشابة الشرسة تسيبي ليفني؛ خليفة شارون وأولمرت في حزب كاديما، وهي تصب غضبها على رديفها في حزب الليكود بنيامين نتنياهو وتحصي عليه الشهور والأيام التي أمضاها في رئاسة الوزراء دون أن يقدم شيئاً ل (إسرائيل)!لاشك أن لمثل هذا الهجوم علاقة بمعركة الانتخابات وتصفية الحسابات، لكن المحصلة تشير إلى أن هذا النتنياهو، من وجهة نظر ليفني، لم يحقق شيئاً من الأطماع الإسرائيلية!إذن:نتنياهو حامل المطرقة الصهيونية، والمدعوم بسياسة أكبر دولة وبقرارات رئيسها وتصريحاته، والذي يمشي مختالاً أمام غزل اللاهثين وراء الجلوس معه والحديث إليه والتقاط الصور الفوتوغرافية بجانبه!
نتنياهو الذي أتقن تصويب مخالبه في كل اتجاه عبر ابتساماته الماكرة ونظراته اللاذعة!نتنياهو الذي لا أقول إنه واصل لعبة المفاوضات مثل أسلافه، بل برع ليس فقط في إغماء عيون الفلسطينيين والعالم كله عن أعمال الهدم والحفر التي يقوم بها على قدم وساق في القدس الشريف وأقصانا الأسير، أو عن أعمال الحرق والتدنيس للكثير من مساجدنا ومقدساتنا، أو عن ممارسات العنف والبطش التي يمارسها على أسرانا من رجال ونساء وأطفال، أو عن جدار القهر وبناء المستوطنات في الضفة الغربية، أو عن الحصار القاتل على أهلنا في قطاع غزة، بل نجح في فرض مصطلحات جديدة على الساحة التفاوضية، لعل من أبرزها وأهمها على الإطلاق مصطلح»يهودية إسرائيل» وغيره كثير!إذن هذا النتنياهو غير مرضي عنه من قبل زعامات الأحزاب الصهيونية!لم يشفع له أنه أوقف المفاوض الفلسطيني على رؤوس الأصابع، فقط كي ينالوا منه قراراً بتمديد قرار تجميد بناء المستوطنات لتستمر المفاوضات، مع أن هذا القرار في المعترك التفاوضي أمر مستحق، لكنه لم يستجب، بل تفوق على كل من سبقوه في مواجهة المفاوض الفلسطيني؛ إذ راح بوصفه الطرف القوي يفاوضهم ويفاوض العالم كله على هذا الأمر المستحق بقوله:»إذا كانت القيادة الفلسطينية ستعلن على نحو واضح لا لبس فيه لشعبها أنها تعترف بإسرائيل كوطن للشعب اليهودي، فإنني سوف أكون مستعداً لدعوة حكومتي للانعقاد وطلب تعليق آخر للبناء الاستيطاني»!اللافت هنا أنه سوف (وما أدراك ما سوف) يدعو حكومته للانعقاد، ثم يطلب تعليقاً آخر للبناء؛ أي أن الحكومة قد ترفض الطلب، وفي حال وافقت فسيكون التعليق محدداً بوقت زمني لن يتجاوز بأي حال التعليق الذي وافقت عليه حكومته سابقاً، وبعد انتهاء الوقت سيجد المفاوض الفلسطيني نفسه أمام مفاوضات جديدة لنيل تعليق جديد، والثمن بالتأكيد اعترافات جديدة ستظهر قريباً، وتنازلات جديدة تصب في إنجازات نتنياهو وحزبه، ولا يلام في ذلك، لأنه يعلم علم اليقين أن الانتخابات هناك جادة وحقيقية، وعليه أن يصارع الزمن لينال ولاية جديدة!طبعاً لم يتأخر المفاوض الفلسطيني في إعلان رفضه لهذه المهزلة.لكن السؤال المطروح: هل هذا الرفض يكفي؟والسؤال الآخر المطروح أيضاً: إذا كان هذا النتنياهو بهذه التفاصيل وما خفي أعظم، لم يقدم شيئاً إلى (إسرائيل)، فهل سيتنازل مثلاً عن القدس التي أعلن مراراً أنها العاصمة الأبدية لدولته المزعومة؟ هل سيقدم للفلسطينيين أياً من حقوقهم ولاسيما حق العودة إلى ديارهم التي شردوا منها؟أمازال المفاوض الفلسطيني ينتظر تحقيق أي شيء من نتنياهو أو أشباهه في الأحزاب الصهيونية الأخرى!ثم أمازال المفاوض الفلسطيني يرى بارقة أمل في أي نوع من الإنصاف من الجانب الأمريكي، وأذكّر هنا بأن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الذي صفقنا لها طويلاً لأنه تلفظ بكلمتي (السلام عليكم) في زيارته الأولى للعالم العربي فعل ما لم يفعله أسلافه حينما أبرق إلى (نتنياهو وبيريز) مهنئاً بمناسبة ذكرى نكبتنا؛ أقصد: عيد استقلال (إسرائيل) إذ قال:»إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»!
أليست المفاوضات كلها مهزلة تستوجب الرفض!؟!
كاتب فلسطيني الرياض