واصلت المملكة خطواتها الصعبة في سباق الشفافية الدولي، فقد احتلت المركز الخمسين بين دول العالم، وهو يعني أننا دخلنا في الثلث الأول بين دول العالم، وعند المقارنة بالسنوات الماضية، يعتبر ذلك تقدماً، لكنه بالتأكيد موقع لا يليق بهذا الوطن العظيم، والذي لا تزال تدفعه أماني وآمال قادته وشعبه إلى موقع بين النجوم..
الشفافية همزة الوصل بين العالم المتخلِّف والعالم الأول، وإذا استطعنا النفاذ من خلالها سنكون في مقدمة الرَّكب، والنتيجة تسارع خطوات عملية التنمية في طريق الغد، فالفساد يكبح جماحها، ويردّها دائماً مسافات إلى الخلف، كذلك لا أعتقد أنّ النيوزلنديين أو الدانماركيين أو غيرهم يختلفون عنا في العناصر البيولوجية أو في العمق التاريخي للحضارة..
لأسباب لا أفهمها يرفض بعض المسؤولين التصريح عن بعض أخبار أوجه الفساد، وإنْ تحدّث، يختصر في كلماته، ولا يكشف أسماء بعض المتهمين بالفساد المالي، وغالباً ما تنتهي إجاباته ب»تم التحقيق معه» سرياً، وكفى، وقد لا يعلم ذلك المسئول أنه يؤثر بطريقه غير مباشرة على مستقبل الوطن وعلى سمعته العالمية في ميزان الشفافية العالمي، فمن يطلب المراكز العليا في سباق الشفافية، عليه أن يتحدث بوضوح، وأن لا يتستّر عن الذين يتلاعبون بمستقبل الوطن..
كنت دائماً أعجب عندما تنشر الجرائد المحلية أسماء وصور لعمالة أجنبيه مخالفه للأنظمة السعودية، لكنها عندما يأتي الأمر على السعوديين يختلف الأمر، ويتم استخدام حروف ورموز عند الإشارة عن مخالفتهم، وفي ذلك مخالفة لحقوق الإنسان ولمرآة الشفافية. ولازال عجبي أكبر عندما ألحظ اختلاف الموقف من عمليات الفساد الصغير، أي عن تلك التي يستفيد منها فرد، وبين الفساد الكبير، والذي يشترك فيها مسؤولون وقضاة من أجل مبالغ وفوائد مالية كبيرة جداً، فالفساد الصغير يتصدّر صفحات الجرائد، بينما لا يأتي أيّ ذكر لأوجه الفساد في أبوابه الواسعة...
لا يمكن أن نتجاوز رقم الخمسين بدون الخروج من دائرة الخوف، ولماذا نخاف إذا كان المستفيد الأول هو الوطن الغالي، نعم لتخرج تلك الأسماء في العلن، فقد فقدوا مكانتهم وحصانتهم عندما تجاوزوا المصالح العليا..، أكاد أسمع حراكاً ووعياً قادماً في المجتمع في الآونة الأخيرة، فالكلام المباح اتسعت دوائره في ظل رعاية القائد - حفظه الله -، وما نحن في مخاضه قد يدفع هذا الوطن إلى المراتب العليا في الأعوام القادمة..
ينتظر الجميع خروج مؤسسة سعودية للشفافية، تكون مهمتها ملاحقة الفساد بمختلف أنواعه ثم رصده وتقديم التقارير عنه، أسوة بتلك النقلة الحضارية في جمعية حقوق الإنسان، فالفساد يأخذ اتجاهات عديدة، من أهمها الفساد المالي والإداري، والعمل على الكشف عن ظواهر قد لا يعرف عنها الكثير مثل المحسوبية، المحاباة، الابتزاز، ونهب المال العام، والرشوة وغيرها..، وفي انتشار ظاهرة الرشوة والمحسوبية بين صغار الموظفين دلالة خطيرة، وأنّ الفساد صار بمثابة الدخل المادي لبعض فئات المجتمع، وفي ذلك تدمير لأخلاقيات النشء الجديد، ولنا عبرة في بعض الدول التي لم تستطع الخروج من ذلك النفق، ليصبح بمثابة الحاضنة لأوبئة هدفها تدمير البنى التحتية البشرية والمادية..
هذا هو هاجس الوطن وخطوته الأهم، وأجزم أنّ قادة هذا الشعب يتطلّعون لمستقبل أكثر شفافية ونزاهة له، لأنّ قدر هذا الوطن أن يعيش شامخاً بين الأوطان، لذلك لا مفرّ من البحث عن أولئك المفسدين في وضح النهار، وفي العتمة وفي الزوايا البعيدة، وفي أي شيء قد يسيء لمستقبل الأجيال القادمة في الوطن الكبير..