لا أحد ينكر الجوانب الإيجابية التي تحققت من تطبيق نظام ساهر. ولا أحد ينكر انخفاض نسبة أعداد الحوادث وبالتالي انخفاض أعداد الوفيات والمصابين من جراء تلك الكوارث المرورية التي نشهدها بشكل يومي، كما لا ينكر أحد تحسن سلوك قائدي السيارات خلال الأشهر التي أعقبت تطبيق نظام ساهر. ولكن وكما يقول المثل (الحلو ما يكملش)، وحتى يتم تحقيق تلك المكتسبات من تطبيق هذا النظام بشكل فاعل، يجب أن يتم تطبيقه بأسلوب متحضر ومتدرج بحيث يوحي بأن المقصود من التطبيق هو الحد من الحوادث ونشر التوعية المرورية، وليس استهداف الجيوب بشكل استفزازي وذلك في غفلة من سائقي السيارات، واسمح لي عزيزي القارئ أن استعرض عدداً من الجوانب الموضحة لذلك:
خلال الصيف الماضي، سمحت لي الظروف أن أذهب إلى بريطانيا، وقد قمت بالتجول في عدد من المدن البريطانية، ولفت انتباهي كثافة انتشار اللوحات الموضحة للسرعة المحددة. وكذلك كثافة وجود اللوحات الموضحة لوجود كاميرات مراقبة على كل طريق، ولا أبالغ إذ قلت إن المسافة بين كل لوحة واللوحة الأخرى لا تزيد عن 300 400 متر فقط، كما لاحظت كبر حجم تلك اللوحات ووضوح مواقعها بشكل يمكن الانتباه إليها من قبل جميع سائقي السيارات على ذلك الطريق. أما لدينا، فنلاحظ قلة وجود تلك اللوحات كما نلاحظ صغر حجمها وعدم تواجدها في بداية الطريق بحيث لا ينتبه إليها لسائق إلا بعد أن يكون قد تم تصويره ورصده بكمرة المراقبة، فهل يعقل هذا !!!؟ وهل المقصود من تطبيق نظام ساهر تنبيه السائقين إلى وجود الكاميرات حتى يخفف سرعته، أم أن المقصود إسهار المواطنين ليلاً هماً بسبب إرهاقهم بدفع تلك الغرامات التي يتطلبها نظام ساهر، ويكفي أن نشير في هذا الخصوص إلى ما تفضل به صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة في هذا الخصوص عندما قال بأن سموه لا يوافق على آلية تطبيق نظام ساهر الحالية، حيث أشار إلى أنه إذا كان هدف نظام ساهر هو سلامة المواطن، فيجب توضيح موقع الكاميرا أمام السائق على الطريق، أما إن كان هدف نظام ساهر هو زيادة موارد وزارة المالية، فهذا أمراً آخر.
لماذا لا يتم التدرج في مبلغ الغرامة. فعند تجاوز السائق السرعة المحددة بكيلو متر واحد يتم فرض كامل الغرامة(300) ريال، والمقترح هنا طالما أن قصد نظام ساهر هو الحد من السرعة وليس جمع الأموال، أن يكون مبلغ الغرامة متدرج. فلو كانت السرعة المحددة (70) كيلو مثلاً، تكون الغرامة (100) ريال إذ بلغت السرعة (80) كيلو، و(200) ريال إذ بلغت السرعة (90) كيلو و(300) ريال إذ بلغت السرعة (100) كيلو وهكذا. ولا أقصد من ذلك التساهل مع المخالفين. ولكني أقصد أن تطبيق الغرامة كاملاً وبشكل مباشر سيكون له آثار سلبية على الكثير من المواطنين أصحاب الدخول المحدودة والذين يمكن توجيههم من خلال تكثيف حملات التوعية وكذلك تكثيف اللوحات الموضحة لكل من السرعة المحددة ووجود كاميرات المراقبة.
هناك الكثير من الشوارع والطرق والممرات التي يتم وضع كاميرا مراقبة فيها دون أن يوضع فيها لوحات توضح السرعة المحددة ومن أراد أن يتأكد فليذهب للشوارع المحيطة بمنطقة المشاة في طريق الملك عبدالله. ولا ينبغي فرض غرامة مالية دون وضع اللوحات الموضحة للسرعة المحددة. كما أنه يجوز للسائق الذي تفرض عليه تلك الغرامة أن يتجه لديوان المظالم لمقاضاة الشركة على فرض تلك الغرامة دون وجود لوحات واضحة محددة للسرعة.
في ظني أن التوعية الإعلامية بنظام ساهر لم تكن كافية، بل يلاحظ أن تلك التوعية وعلى الرغم من محدوديتها، إلا أنها كانت مركزة على المخالفات وآلية تطبيقها مما يوحي بأن هدف نظام ساهر هو تحصيل الغرامات بغض النظر عن تحذير السائقين من الوقوع في تلك المخالفات، وقد طالبنا وطالب الكثير من الكتاب بتكثيف برامج التوعية المرورية عبر مختلف وسائل الإعلام. وبتحذير المواطنين من الوقوع في مخالفات ساهر وذلك قبل تطبيق النظام.
اقترح أن يتم إيقاف العمل بنظام ساهر لمدة 3 أشهر فقط يتم خلالها تغطية جميع الشوارع والطرق والممرات بلوحات واضحة سواء للسرعة المحددة وكذلك لوحات موضحة لوجود كاميرات مراقبة وعلى ألا تزيد المسافة بين اللوحة والأخرى عن (500) متر فقط حتى يتسنى للسائقين ملاحظتها طالما أن الهدف من النظام الحد من السرعة ومن الحوادث وليس استنزاف الجيوب بالغرامات الطائلة، كما يتم خلال هذه الفترة تكثيف حملات التوعية المرورية والتعريف بكافة الجوانب المتعلقة بنظام ساهر.
إذا كان نظام ساهر قد تم إيجاده من أجل ضبط سلوك سائقي السيارات، فإنني أعتقد أننا بحاجة إلى نظام يضبط سلوك (ساهر) تجاهنا.