المسؤولون الكبار في المؤسسات القضائية والعدلية -حفظهم الله وسدد خطاهم - يحاولون نزع الفتيل من إشاعة فساد أصبحت على كل لسان.
هذه الإشاعة - القضية أصبحت متداولة في الداخل لشدة إيغالها في احتمال الفساد الإداري في موقع يخاف المواطن حتى من التفكير في إمكانية وصول الفساد إليه. أما تداولها الواسع في الخارج فربما، بل بالتأكيد لغرابة وطرافة المحاولات المبذولة لإعطائها مواصفات مهضومة شعبياً ولو أنها خرافية ومن مخزون عالم الظلمات. الواضح أن الطريقة المتوخاة حتى الآن لنزع الفتيل من قضية الفساد هذه تحاول ألا يلسع شررها ويلتصق رمادها بكل الأطراف المعنية بتفكيك ملابساتها المكانية والرقمية والوجاهية حتى يتم تحقيق العدالة في النهاية لجميع الأطراف.
أحد أهم الأطراف المعنية بتحقيق العدالة هو المواطن الخائف من اهتزاز الثقة الراسخة في أهم ضامن للحقوق، ليس ثمة أدنى شك في أن العدالة القضائية سوف تتحقق بتوفيق الله ثم بحرص القائمين على شؤونها لأن هذا هو ما اعتدناه وما نطلبه ونحتاجه بإلحاح وبسرعة كافية قبل أن يترسب في الذاكرة شيء من هذه القضية الفاسدة.
لكن ثمة أمرا مزعجا في الموضوع، هو أن محاولات نزع الفتيل حتى الآن تمت في البداية عبر تجاهلها والسكوت عنها بل ونفيها، ثم انتقلت إلى مرحلة ادعاء التهويل منها وإلصاق تهمة النفخ والتكبير فيها بالإعلام وبالقيل والقال، والتذكير بأن القضاة ليسوا ملائكةً. لم يقل أحد أصلاً إنهم ملائكة، ولكنهم قضاة، وهذه كلمة لها معنى حمل الأمانة التي أعرضت عنها السماوات والأرض والجبال.
السؤال هنا هو: هل المطلوب من الناس أن يلزموا الصمت ويكفّوا عن القيل والقال بينما المبالغ المتحدث عنها في الإشاعات بمئات الملايين والأراضي المسلوبة بمئات آلاف الأمتار المربعة والمتهم الرئيسي فيها هو من هو في مراكز المسؤولية ؟. هل المفترض بالصحافة ووسائل الإعلام الأخرى أن تسكت أمام هذه الحالة وأمثالها لأن الموضوع شائك ومحرج؟. إذاً : متى تتحدث وسائل الإعلام؟ وما هو دورها الحقيقي؟. هل هو في ذكر حوادث الطرق وسرقة اسطوانات الغاز وتفحيط الشباب والقبض على سارقي الكيابل؟. كان المفترض أن يتم التعامل مع القضية منذ البداية وقبل أن تفوح روائحها وتعبر الحدود بطريقة الشفافية الإعلامية وليس بالصمت أولاً ثم النفي ثانياً ثم باتهامات التهويل وإدعاء النفخ الإعلامي فيها أخيراً. بكل بساطة هذه هي الأسئلة التي يطلب المواطن أجوبة لها: هل هناك قاض يجري التحقيق معه في رشوة بمئات الملايين.. نعم أم لا؟. هل هناك أراض تم الاستيلاء عليها وسلبها من أصحابها صبراً وظلماً وبالتزوير.. نعم أم لا؟. هل هناك عصابات محلية وخارجية تتعامل بهذه الطريقة مع القضاء ومع المواطنين الغافلين ولم يتم إلقاء القبض على أعضائها كلهم بعد.. نعم أم لا؟. وهل صحيح أن القاضي المتهم يدفع عن نفسه المسؤولية بأنه مسحور أو ممسوس ولديه شهداء على ذلك يستطيعون استنطاق الجن والتحدث معهم ومعرفة الحقيقة من ألسنتهم.. نعم أم لا؟.
المواطنون كلهم كان يكفيهم من البداية بعض الإجابات الصريحة بنعم أم لا قبل أن تتعقد الأمور وتحال المسؤولية إلى سكان العالم السفلي المستعصين على المساءلة والعقاب واسترجاع الحقوق. أما تحويل المسألة إلى مهزلة وفضيحة عقلية وأخلاقية للمملكة العربية السعودية وسكانها وقضائها أمام العالم بإدخال الجن والسحر في ملابساتها فلا نملك معها سوى أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.