- مرّت سبعة أشهر على آخر انتخابات برلمانية لتشكيل حكومة جديدة في العراق. لم تتشكل الحكومة، ولم تظهر بوادر لأي اتفاق من أي كان، والوضع يزداد ظلامية وتعقيداً في العراق. هذا البلد العربي الذي يستعد للاحتفال برحيل آخر جحافل الجيوش المحتلة عن أرضه، تتنازعه عدة قوى في الداخل والخارج. داخلياً.. هناك العرقيات والمذهبيات والتكتلات وتغلغل عناصر القاعدة في النسيج العراقي، بات الكل ينخر في وحدة الشعب العراقي، ويهدِّد أمنه الوطني، ويصبغ جغرافيته بلون الدم. خارجياً.. هناك تجاذبات دولية وإقليمية تفرض نفسها على حالة الضعف السياسي العراقي، وهي جميعها تجهد في اتجاه المزيد من الاستقطاب الطائفي لخدمة مصالحها الآنية وما بعد رحيل المحتلين.
- لقد سجلت الكتل السياسية العراقية الممثلة لكافة الطوائف في هذا البلد، عجزها عن تجاوز الأزمة الحادة، وبالتالي ظهر ما يشبه الفراغ السياسي المهدّد بمزيد من الأزمات على كافة المستويات. إنه الظلام الذي أخذ يلف الساحة العراقية، وينذر بخطر داهم لا يقف عند حدود العراق وحده، ولكن يتجاوزه ربما إلى دول الجوار والمنطقة بكاملها. في هذه الأجواء العاصفة في سماء العراق، يأتي الصوت العربي المنقذ والمعتاد من الرياض. من المملكة العربية السعودية، ومن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تحديداً، الذي وجّه نداءه الأخوي لكافة الفرقاء والكتل السياسية العراقية، لكي يلتقوا في الرياض بعد موسم الحج تحت مظلة الجامعة العربية، ليتحاوروا ويتدارسوا هذا المشكل الكبير الذي هُم فيه اليوم، ويصلوا إلى حلٍّ يفضي إلى قيام حكومة عراقية تمسك بزمام الأمور، وتملأ الفراغ السياسي في بلدها، وتحول دون تدخلات المتكسبين من الأزمة، والمصطادين في أوحال الوضع الأمني الهش، الذي يعاني منه الشعب العراقي منذ سنوات.
- إن هذه المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، هي مبادرة خير وصلاح، ومبادرة إنقاذ تأتي في وقتها، ونجاح لقاء الرياض إذا تم، سوف يضع عراق ما بعد الاحتلال على الطريق الصحيح نحو حياته ومستقبله، وسوف يحد من الانتهاكات الإيرانية لأمن العراق وسيادته، ويوقف اللعب بالنار الذي تمارسه قوى عربية وغير عربية على الأرض العراقية، وهدفها الدائم، أن يبقى العراق ساحة لتصفية الحسابات، وفي حالة من عدم الاستقرار.
- بكل تأكيد؛ لا توجد مصالح شخصية للملك عبد الله من هذه الدعوة، ولا أهداف خاصة للمملكة من هذه المبادرة، فالملك عبد الله حفظه الله، ربط مبادرته هذه بالجامعة العربية التي هي مظلة لكل العرب بما فيهم السعودية والعراق، والمملكة ليست لها ملفات شائكة مع الحالة العراقية. هناك فقط غيرة عربية، وحرص على سلامة العراق، وصيانة لأمنه ووحدته الجغرافية، وهناك شعور إنساني بالمسئولية الكبيرة تجاه بلد العراق وشعب العراق، وقد أراد حفظه الله إشراك بقية إخوانه زعماء العرب في هذه المسئولية، عندما أراد أن يكون هذا اللقاء التصالحي على أعين العرب وتحت مظلة جامعتهم.
- الرياض إذن؛ تفتح من جديد، قلبها لأهل العراق، مثلما فعلت من قبل مع أهل اليمن، وأهل لبنان، وأهل فلسطين، وأهل أفغانستان، ومع غيرهم أيضاً، والملك عبد الله رعاه الله، يضع حزمة سعودية من الضوء والأمل، وسط نفق عراقي مظلم.
- لعل وعسى.