مشهد يتكرر بشكل يومي في حياتنا الدراسية ونعاني منه نحن الطلاب إنه (الإحباط) إنه متعة بعض المعلمين (المحبطين) عجزوا عن تحقيق أهدافهم فدمروا أفكار الطلبة وطموحاتهم دون أي مبالاة. أقرب مثال على ذلك تلك الاستاذة التي ما إن دخلت الفصل وصفتنا بالفاشلين وقالت: إن الدرس صعب، وأنتم فاشلون ولم تكتف فقط بأن قالتها مرة واحدة، بل استمرت بتكرار تلك العبارة معتقدة أنها بذلك تدعوننا للانتباه للدرس ولكنها بهذا تشعرنا باليأس والإحباط وانعدام الرغبة بالتعلم
لماذا لا نفكر أكثر من مرة قبل أن نتكلم؟
لماذا لا نحترم الآخرين حتى لو صغارا؟
لماذا نقتل روح الإبداع لدى الطالب؟
لماذا لا نشجع الابتكار؟
لماذا لا نعطي الطالب فرصة لإثبات نفسه فلربما حقق النجاح وتفوق على معلمه...
ابنتك: نورة عبدالله الكعيد
ولك ابنتي الفاضلة الرد:
الابنة نورة زادك الله حكمة وبصيرة، أحسب أنك كتبت تلك الرسالة بعد أن فاض بك الكيل ولسان حالك يقول:
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة
ولكن تفيض العين بعد امتلائها
بعد قراءة رسالتك هممت بنشرها دون الرد عليها فقد حوت الداء والدواء ولأن ما نطقت به كلماتك لا تدع زيادة لمستزيد، ولكن تلك كلمات أبت إلا أن تبين لمزيد من الشرح والإيضاح عسى الله أن ينفع بها.
ابنتي نورة العاقل من البشر عندما يبصر شررا قد اقترب من أعز ممتلكاته وأثمن مقدراته لا يكتفي بالنظر إليه ومقابلته بالتوجع والآهات ومجالدة الدموع بل لابد وثبة وتحرك سريع يوقف بها هذا الخطر، وهذا ما فعلته أيتها النجيبة عندما ساءك الوضع فما رضيت بسيئ الحال ولا قنعت بالوضع الرديء فالرائعون لايرضون بالثمر الفاسد حتى في زمن الجوع! ولتكن هذه خلتك في حياتك فلم يكتب الله لك فيها الذلة أو المهانة وفرقٌ كبير بين من يُلطم اللطمة فلا يكون له وسيلة إلا البكاء وتذكر اللطمة، وبين من يُلطم فيستجمع قواه للمكافحة، والحياة عامرة باللطمات وأعجز الناس من خارت قواه من أول لطمة فترنح أو هرب. ابنتي العزيزة في هذه الحياة ستقابلين من يسمون بسارقي الأحلام وهادمي الآمال والذين يجتهدون في وضع العقبات وبناء الحواجز وللأسف فبعضهم يفعل ما يفعل عامدا متعمدا وكأنما يجد المتعة في تجريد الناس من أحلامهم وما أوصيك به ابنتي ألا تسلبي نفسك الإرادة وألا تكون حياتك رهينة بما تسمعينه من مدح أو ذم أو تشجيع أو تحطيم وألا تتخيلي كل الناس ملائكة وخيرين فتنهار أحلامك وتكبو آمالك ففيهم الجاهل وفيهم الحاقد وفيهم طيب النية سيئ الفعل!!
والحل الأسلم أن تبني بين جوانحك مفاعل للتحفيز الداخلي لايعتمد على تصفيق الآخرين ولا يتكئ على رفعهم للقبعات لك, بل إن ما يشحن طاقتك ويعلي من همتك هو رؤيتك لأهدافك السامية التي تتطلعين لها ومن أجلها ستبذلين الغالي والنفيس, وتأكدي أنك حينما تصلين إلى غايتك سيهون عليك الطريق الطويل الذي قطعته إليه وستنسين ما بذلته من جهد وما تحملته من عناء فلا يصبح عناء الطريق وما واجهتيه من كلمات جارحة أو نظرات سخيفة بعد ذلك سوى ذكرى تزيدك قوة وثقة إذا استحضرتيها.
غير أن عبر هذا الدرب لن تذهب سدى, وستستفيدين منها أيتها النجيبة بما قد يواجهك من عقبات عابرة في المستقبل.. وستهبك طاقات قوية تعينك على الكفاح والصمود والتحمل, فمن صمد لعناء الطريق الصعب لن يشعر بالعجز أمام أي عقبات عابرة قد يصادفها في آتي الأيام.
وبالنسبة لمعلمتك ابنتي فلعل هناك من الظروف والضغوطات التي لاتعلمينها عنها ما جعلها تمارس هذا الأسلوب (غير التربوي) فبعض البشر في حال الأزمات يتصرف باندفاع وتهور.
يقضى على المرء في يوم محنته
حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
ولست أبرر لها ولكن أدعوك دائما وأدعو نفسي لتلمس الأعذار للآخرين وتقبل هفواتهم وإيجاد مخارج لها وتلك والله صناعة العظماء ومهارة الناجحين الواثقين، وأرى أن تكتبي لها رسالة رقيقة توضحين فيها احترامك لها أولا ثم انزعاجك من أسلوبها، وإن لم تتغير فأن يكتب خطاب جماعي من طالبات الصف ويرفع للإدارة لتتدخل، فلم يُكتب لكن أن تصبحن مركضا لمزاج المعلمة المتعكر أو متنفسا لظروفها السيئة فإن لم تكن قادرة على حل مشكلاتها وضبط مشاعرها فلتترجل وتفسح المجال لغيرها.
يقول أحد الحكماء: عندما تسقط في حفرة فلابد أن تخرج منها بشيء من التراب, وتلك الحكمة تدفعنا نحو الاستفادة من هاتيك المواقف التي ربما تضغط علينا أو نعاني فيها من مشاعر الانكسار. ومما يجب الاستفادة منه في مثل هذه المشاهد هو ألا نكرر تصرف تلك المعلمة مع الآخرين فأنت الآن يا ابنتي في مرحلة تشكيل الشخصية وخطوط شخصيتك العريضة ترسم في هذا العمر فلعلك تعاهدين نفسك على ألا تصدر منك كلمة إلا بعد تأمل فربما كان فيه جرح لآخرين أو استدعاء لذكرياتهم الأليمة أو تقليل من قدرهم وما قيمة الإنسان إن لم يحترم الآخرين ويقدر مشاعرهم!
كما أوجه لأخواتي والمعلمات همسة من ناصح وأقول: لن ينجيكم والله من السؤال التبرير بحسن النية فالإنسان هو نتاج لما يفعله لا ما يفكر فيه فأعيدوا النظر في سلوكياتكم وتصرفاتكم مع الطالبات وتذكروا أن فنون التعامل مع الطلاب ليست خاضعة للاجتهاد أو الأهواء أو الثقافة الشفهية أو ما يتناقل في المجالس وغرف المعلمات! وأستكثر بعض التصرفات العجيبة والتي لاتليق بشريحة المعلمين والمعلمات.
يا معشر القراء يا ملح البلد
من يصلح الملح إذا الملح فسد!
واعلموا أن الطريقة الأسهل والوسيلة الأضمن والأسلوب الأنجع لكسب قلوب الطلاب هو احترامهم وتقديرهم والرفع من شأنهم، وإذا ما قدمتم هدايا الاستحسان والتقدير لمن هم في سن الزهور بصدق ومحبة فأنتم بهذا تقدمون ترياقا شافيا لنفوس مشرفة إما على التمرد الأعمى المدمر أو على الذبول اليائس المميت أول الحياة وهو ما يجعل لهديتكم أهمية خاصة! وحبيبنا محمد كان يتعامل بذوق حتى مع المخالف الصريح بالتلميح فكان يقول ما بال أقوام؟! وكان يشجع ويحفز ويطلق الألقاب الجميلة ويغدق بالشكر فهذا أسد الله وهذا سيف الله وهذا أمين الأمة وهذا حواري رسول الله! فلا تخافوا من فرط اللجوء إلى تلك المزية فأوعية البشر لاتمتلئ من المدح ولن يمل أحد من كثرة التقدير والشكر ولن يضيق ذرعا بكثرة الاستحسان فلنجرب تلمس زوايا القوة والتركيز على إيجابيات أبنائنا وطلابنا والثناء عليهم والفائدة لن تقتصر عليهم فحسب فلقد كان بعض دكاترة علم النفس يوصي مرضاه ضحايا القلق والهم إن أرادوا الشفاء: أن يفكروا خلال أسبوعين بكيف يمكنهم إسعاد شخص ما والفرصة مواتية، فقط بكلمة طيبة وثناء صادق وابتسامة حانية.
وللأسف أن بعض المعلمات تجتهد في إطلاق أسوأ وأقبح النعوت على طالباتها ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إن نعيم الدنيا يكمن في سكون النفس واطمئنان الضمير وراحة القلب وهذا يكون بأداء الأمانات وانتباه الضمائر إلى حجم المسؤولية الملقاة وثقلها، وكيف تسكن نفس ويطمئن ضمير ويرتاح قلب عندما نتفنن في تحطيم من استرعانا الله عليهم فنساهم في صناعة جيل من المقهورين، وللأسف أن بعض المعلمين والمعلمات قد خلا قلبه من المشاعر الإنسانية ومن كان كذلك فليعتبر نفسه كما وصفه المفكر هنري ثورو: ابن عم لأشجار الصنوبر وأحجار الصخور!! رغم أن العلم الحديث أثبت أن الشجر يحس بل ويبكي ويتألم!! ولو أن معلمة تصرفت مع إحدى بناتها بمثل تصرفاتها لأقامت الدنيا عليها ولم تقعدها!
أجدد التقدير لك ابنتي نورة سائلا المولى أن يجعلك قرة عين لوالديك بصلاحك وبرك.
شعاع:
من العظماء من يشعر المرء في حضرته أنه صغير...ولكن العظيم بحق هو من يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.