الجهود الكبيرة والموفَّقة التي بذلتها وتبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين من أجل تسهيل أمور الناس وتأمين راحتهم من توسعات كبيرة أضافتها إلى الحرم المكي الشريف، وكذا الساحات الفسيحة التي أحاطت بالحرم من كل جانب، وأصبحت متَّسعًا للحرم ليصلي فيها الناس، وكذا توفير المياه والأمن، والحرص على سلامة الحجاج والمعتمرين، إلى جانب توفير الرعاية الصحية؛ حيث أوجدت عددًا من المستوصفات داخل الحرم من أجل إسعاف وعلاج الحالات الطارئة.. هذه الإنجازات وغيرها من توفير المساكن الحديثة القريبة من الحرم من الأبراج ذات الأدوار العالية المتكررة، وكذا تحديد فترة العمرة، عملت على مضاعفة عدد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد آخر.
ولهذا نشاهد كثافة أعداد المعتمرين في شهر رمضان المبارك من كل عام، وفي شهر رمضان المنصرم 1431هـ كان العدد أكبر من أعداد الأعوام السابقة؛ حيث شمل الازدحام في الطواف الدور الثاني من الحرم، غير أننا نلاحظ على بعض المعتمرين - هدانا الله وإياهم - بعض الملاحظات، التي منها ما يأتي:
1 - الكثير من المعتمرين لا يقدرون حُرْمة المكان، وكذا العمل الديني الذي يقومون به؛ فترى البعض يقطع شوطاً بل وربما أشواطًا كاملة من الطواف وهو مشغول في محادثة هاتفية مع إنسان من الأهل أو الأصدقاء، وهو بهذا ربما يمر بالركن ولم يقم بما يجب عليه القيام به من تكبير ودعاء لانشغاله بالمكالمة الهاتفية.
2 - بعض الشباب نشاهدهم يمشون بعضهم مع بعض، يتحدثون في أمور دنياهم؛ فيتضاحكون ويمزحون وكأنهم في نزهة خلوية دون أن يعيروا المكان ما يستحقه من الاحترام والهدوء والسكينة.
3 - كثير من الشباب وبعض منتصفي العمر من الرجال نشاهدهم يطوفون بالدور الثاني وقد سرحوا شعورهم (شعور رؤوسهم) الطويلة جدًّا واللافتة للنظر بعد أن قاموا بدهنها وتزيينها، وإسدال شعورهم على ظهورهم، وبعضهم أطال شعره وجمعه على هيئة ذيل حصان وربطه من خلفه وأخذ يتمايل يمينًا وشمالاً أثناء سيره في الطواف، وكأني بهؤلاء - هدانا الله وإياهم - في مكان للعرض والتنافس حول أطول وأجمل شعر!! هذه ظاهرة مع الأسف انتشرت لدى الكثير من الشباب، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
4 - نشاهد أعدادًا من النشطاء الأقوياء ذوي الأجسام والعضلات المفتولة يريدون إنهاء عمرتهم بأسرع وقت ممكن دونما خشوع أو دعاء؛ فتراهم يتسابقون في جري لافت للنظر وكأنهم في مضمار سباق أو ماراثون جري؛ فلا يتقيدون بآداب العمرة، ولا يقومون بالدعاء المطلوب والخشوع، ويتفاخرون باختصار الوقت وأنهم أنهوا طوافهم وعمرتهم في وقت قصير من الزمن، ناسين أو متناسين ما هو مطلوب منهم من خشوع ودعاء رب العزة والجلال بأن يرحمهم ويتقبل دعاءهم.
5 - بعض المعتمرين نراهم يتسابقون لأخذ العربات التي تُساق ذاتيًّا، أي التي تسير بالكهرباء، ويتسابقون أثناء قيادتهم لها وكأنهم في مضمار سباق، وبعضهم نشيط وقوي وإنما يفعل ذلك من باب المفاخرة؛ فتراه يحمل أولاده الصغار والكبار، الصغير يضعه في حضنه والكبير يركب متسلقًا خلف العربة، ويطوفون بالدور الثاني كأنهم في ميدان سباق بسبب سرعتهم في قيادة العربة، ولا نجد لديهم الخشوع والدعاء والسير في سكينة ووقار.. سبحان الله مصرف الأحوال وخالق خلقه من تراب!
هؤلاء - هدانا الله وإياهم - يحسبون الدقائق حتى ينهوا عمرتهم! فهل يرعوي هؤلاء ويحاسبون أنفسهم ويتركون هذه العربات وما يماثلها للعجزة والضعفاء والمساكين وكبار السن؟.. فالأمر يتطلب عمل بعض الإجراءات بالنسبة إلى مَنْ تُسلَّم إليهم العربات بعد التأكد من مدى حاجتهم إليها.
6- الشباب المراهق القائم بعمل العربات بعضهم يكون في حالة عدم طُهْر، ونشاهدهم يتناوبون في دفع العربات؛ فيقوم أحدهم بدفع العربة بعض الأشواط، وإذا تعب أوقف العربة وأشار إلى أحد رفاقه المتعاونين معه بأن يُكْمل المشوار.. وفي هذا ضرر، وقد يكون سببًا في نقص بعض الأشواط إنْ لم يكن المعتمر منبهًا.. ونجد بعضهم يغط في نوم عميق، وبعد أن يستدعيه رفيقه يقوم من نومه ويواصل المسير بالعربة، وهكذا وهو في حالة عدم طهر.. فهل يجوز الطواف بالنسبة إلى مَنْ يقودون العربات وهم في حالة عدم طهر؟.. الأمر يحتاج إلى إيضاح وتنبيه من الجهات المعنية في شؤون الحرم المكي لإرشاد الناس وتوجيههم الوجهة السليمة بما يعود عليهم بالفائدة وعلى عمرتهم بالصحة والاكتمال.
7 - مَنْ يقومون بدفع العربات لا يرشدون مَنْ يقومون بدفعهم من المعتمرين للمواقف التي يجب التكبير فيها أمام الحجر الأسود وأمام الركن اليماني وما يجب أن يقوله المعتمر بين الركنين من أدعية.. والمفروض على مَنْ يدفع العربة أن يكون رجلاً مُلمًّا بالتعليمات والأوامر المتعلقة بالعمرة، ويكون بمثابة المرشد والمطوف لراكب العربة.
8 - المعتمر النائم: نشاهد بعض الأحيان راكب العربة مطأطئ الرأس ويغط في نوم عميق، ولا يذكر الله أو يقول شيئًا مما يجب عليه قوله من ذكر ودعاء، وينهي دورانه حول الكعبة وهو نائم، ولا يدري ما أداه من أشواط لأنه كان في نوم عميق، وكأن العملية عملية دوران حول الكعبة.. فهل هذا يجوز؟ وبماذا سيقابل به ربه ومولاه هذا المعتمر النائم؟.. وبأي كيفية سيتحلل من عمرته وهو على هذه الصورة؟!!
إنَّ الأمر خطيرٌ جدًّا، ويحتاج إلى المزيد من التوعية والنصح والمراقبة من قِبل المعنيين بالأمر في شؤون الحرم المكي الشريف، فهل نترك الناس على جهلهم؟! فنصحهم وإرشادهم واجبٌ؛ فمن هو المسؤول عن ذلك يا تُرى؟!.. لكن الأمر يحتاج إلى أن تتحرك الجهة المعنية وتقوم بالتوجيه والإرشاد اللازم للحجاج والمعتمرين ليؤدوا نسكهم في سهولة ويُسر وحسب ما تقتضي به الشريعة الإسلامية.
9 - متسلل ويقوم بدفع العربات في الحرم.. لا تستغربوا هذا؛ فالباب مفتوح على مصراعيه لمن هبَّ ودبَّ وأحضر عربة ولديه المقدرة على الحركة والانطلاق؛ فالزبائن من راغبي استخدام العربات كثيرون.. والسعر - ما شاء الله - عالٍ ويغري الآخرين على الدخول في هذا المجال؛ إذ إن السعر أيام رمضان للعربة في الطواف والسعي يتراوح ما بين 200 - 250 ريالاً ريالاً، وفي العشر الأواخر من رمضان يرتفع السعر إلى 500 ريال! إنها مبالغ كبيرة، ولا يستطيع كثير من الناس دفعها؛ فهل نترك الأمر بهذا الشكل ليخضع إلى رغبات العاملين في الطوافة من شباب مراهقين لا يعرفون الواجبات ولا يقدرون الأمور حق قدرها؟؟.. وأكبر دليل على ذلك حادثة القتل التي حصلت في رمضان الماضي 1431هـ بين شابين اختلفا على قسمة محصولهما من الطوافة، وسجلات شرطة منطقة مكة تعرف تلك الحادثة، وقد تداولتها الصحافة بالنشر في وقتها.
أعود وأقول إن أحد المتسللين كان يقوم بعملية دفع العربات، ولا أحد يعرف عنه شيئًا، ولا من يقول له «ثلث الثلاثة كم»! حتى جاء وقت الزحمة، وفي مساء 27-9-1431هـ حدث خلاف بينه وبين أحد الأشخاص داخل الحرم في المسعى؛ ما أدى إلى تدخل الجهات المعنية، وتم القبض عليه.
إنَّ الأمر يحتاج إلى وضع نظام يحدد كيفية قيادة العربات داخل الحرم، ومَنْ يحق له مزاولة هذه المهنة بعد توافر بعض الشروط من حُسْن الخلق والاستقامة والمعرفة بتعاليم الحج والعمرة؛ حيث يكون الشخص مطوفًا ومرشدًا للراكب على العربة التي يقوم بدفعها، وكذا ضرورة وضع أرقام وسجلات للعربات العاملة؛ حيث يمكن معرفتها في حالة السرقة وغيرها.
هذه ملاحظات أردت طرحها أمام أنظار المسؤولين، وكلي أمل ورجاء بأن تجد ما هي جديرة به من اهتمام. والله أسأل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عضو مجلس منطقة الرياض