الأولى
أدهى الناس من يربكك بحججه وهو يكذب، فيشتت تفكيرك، ويغير مسارات الأمور، ويضعف ردود فعلك تجاه ما يحدثه من حركة، فيكسب والتردد يسبغ قراراتك مساحات أكبر ليحقق ما يريد، وربما مع الوقت يكسب تفهمك..
وأخبث الناس من يقنعك وهو يكذب، فيضللك، ويلقي بحمل تحقيق ما يريده هو على كاهلك، وعند المصائب يتخلى عنك لتتحمل أنت لوحدك ما ترتب على ما أقنعك به.
لكن أقواهم هو الذي تصدقه وأنت تعرف أنه يكذب، وقد تتولى أنت نشر أكاذيبه وتسويقها ليصدقها أكبر عدد تتمكن من الوصول إليه.
وعلى أية حال، الناس لا تنخدع كثيراً بمن يسوق الحجج ليمرر كذبه، لأن هذا السلوك يتبناه غالبية الناس، ويفهمونه ويعرفون مآربه.
والناس لا تنجذب كثيراً لمن يحاول إقناع غيره بكذبة، لأن غالبية الناس تتعصب لأفكارها، وتتمسك بها، ومن طبيعتها أن تحارب أي فكر لا يوافق فكرها.
لكن الناس كلهم يحترمون ويبجلون هذا الذي يصدقونه وهم يعرفون أنه يكذب، وهو منطق القوة الذي يقوم عليه منطق الحياة المعاصرة.. ولا أظنه سيتغير.. فمعظم الذي تسمعه يتردد في محيطك تعرف ويعرف الناس أنه كذب، لكن منطق الحياة يفرض أن تصدقه.
الثانية
المسائل في نظري لا تعتمد على قوة ارتباطها بما يسمى بالحق. لأننا في كل الأحوال نختلف في تعريف وتحديد هذا الحق الذي ندعي موازنة الأمور به.
فقد يكون ما أراه حقاً أنا، ضلالًا وفسادًا في نظرك والعكس صحيح..
نعم هناك قيم عامة نرجع لها لضبط الأمور، تعيننا على تبصر الحق واتباعه؛ كالحرية والعدل وغيرها من القيم، لكننا بكل تأكيد نختلف في وضع توصيف دقيق لهذه القيم، فقد يكون ما أراه عدلًا، ظلمًا وجورًا في نظرك، وقد يكون ما أراه حلمًا وتسامحًا، ضعفًا وتخاذلًا في نظرك والعكس صحيح. هذا هو المأزق الحقيقي الذي وجدنا أنفسنا فيه، ونعرف أننا لا يمكن أن نصححه بتوحيد مفاهيم كل الناس، ووضع حدود مقننة لكل ما يربط تداخلات علاقاتهم ببعض.. أو ربما لا يكون مأزقًا، بل المتنفس المتاح لنا والذي نحرص على بقائه لتمرير ما ندعيه حقاً.
الثالثة
الخطر العظيم القادم الذي يواجه الدين الإسلامي ليس من الديانات الأخرى؛ فهؤلاء معروفة دياناتهم وثوابتها ومعروفة أيضًا وسائلهم وأخلاقياتهم والقيم التي يستندون عليها في ترويج ونشر أفكارهم وما يريدون الوصول إليه.. الخطر الحقيقي الذي يجب أن نتنبه له هم هؤلاء المنتسبون للإسلام، الذين إن حاربتهم وصفت بشقك للصف الإسلامي، وتشتيت الأمة في مواجهة أعدائها، وإن تركتهم غيروا الإسلام.. والله المستعان.