وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية وطن الشموخ والعزة، والوفاء والكرامة، والتراحم والتآلف واللحمة بين الراعي والرعية بين الولاة والشعب، خصه الله بنعم لا تحصى، وآلاء لا تستقصى، وأفاء عليه بما يعجز الألسن عن الشكر والثناء، ومن أعظم نعمه عليه بعد توحيد الله، وإخلاص العبادة له نعمة الولاية الحكيمة، والقيادة الفذة، والحكم الراشد، الذي يعد في هذا العصر الزاهر امتدادًا لحكم المؤسس الباني المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود-طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه-، وحينما نتحدث عن أبنائه البررة فإن الحديث يحلو ويطيب، ولكل منهم علينا كمواطنين شرفنا الله بالانتماء إلى هذا الوطن المبارك واجب تمليه محبتنا لهم، وشعورنا بنعمة ولايتهم، وفضل الله علينا بوجودهم، وما تحقق لهذا الوطن المبارك من إنجازات، وما توافر فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، بفضل الله أولاً، ثم بجهود هؤلاء الرجال الأفذاذ، وقد توالت عطاءاتهم، ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر، وها هي بلادنا الغالية تعيش حقبة زمنية مباركة تجاوزت قرنًا من الزمن، قفزت فيه قفزات هائلة، ووصلت إلى المكانة اللائقة بها إسلاميًا وعربيًا وعالميًا، وحققت نهضة حضارية تجاوزت في صورتها ومكتسباتها لغة الأرقام والإحصاءات، في مزيج مثالي بين الأصالة والمعاصرة، بين الحفاظ على الأسس والمبادئ والثوابت والأخذ بأحدث أدوات العصر وتقنياته، فالحمد لله على فضله، ونسأله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يمكن لولاة أمرنا ويزيدهم عزًّا.
وبما أن ديننا العظيم هو أساس قيام دولتنا المباركة التي تأسست على نصرة الكتاب والسنة، والقيام على أصل الأصول وأساس الأمن، وأوجب الواجبات توحيد الله جل وعلا بصورته النقية الصافية، الغضة الطرية كما نزلت في عهد خير البشرية، حامية لهذا الأصل مما يشوبه ويكدره، محققة لمقاصده، محاربة كل المظاهر التي تخل به، فلا عجب أن يكون الأفذاذ من أبناء دولتنا، والأماجد من قدواتنا، والنوادر من رجالاتنا يمثلون منهج الإسلام وروحه، وينطلقون في تصرفاتهم وأعمالهم ومساهماتهم من توجيهاته، وفي مقدمة هؤلاء العظماء وعلى رأسهم من جعل الله قدرهم أن يكونوا ولاة أمرنا، وقادة مسيرتنا الحضارية، وقدوتنا في كل خير، لقد برزت هذه السمات الفذة، والخلال الحميدة، والخصال الجليلة في سلالة الأسرة الماجدة من آل سعود، ولاسيما ذلك البطل الهمام، والليث الضرغام الملك المؤسس الباني المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه- الذي لم تكن شهرته في قيادته أو سماته العسكرية، أو حسن تصرفه وإداراته فحسب، بل هو رحمة الله مدرسة لكل الأجيال في التمسك بالدين، وحماية وحدة البلاد وثوابتها أن تمس بسوء، مع الأخذ بكل معطيات الحضارة، وعوامل التقدم والتطور، وأورث هذه السمات الفذة، والشخصية المتميزة أبناءه البررة، وأنجاله الكرام، الذين كتب الله على أيديهم تمام العز وكمال التمكين، والنعم الوافرة، والآلاء المتجددة على وطننا الحبيب، وبلدنا المبارك، بدءًا من الملك سعود، ثم الملك فيصل، ثم الملك خالد، ثم الملك فهد -رحمهم الله جميعًا- ووصولاً إلى هذا العهد الميمون، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -أيده الله بنصره، وسدده بتوفيقه-.
وتأسيسًا على هذه الصورة المثالية في قيادتنا الحكيمة، فإن الطيب من معدنه لا يستغرب، والفرع لا يخرج عن أصله، وقد منّ الله علينا بالاطلاع والوقوف على شيء من جهود أمير شهم، ورجل فذ، أورثته أمجاده صفات لا يمكن حصرها وتعدادها، بل إن القلم ليعجز، وتكل الأيادي، وتتقاصر العبارات، وتتزاحم الصور حينما يأتي الحديث عن مبادراته وإسهاماته، والأفذاذ من الكرام، ويجد المرء نفسه أمام بحر لا ساحل له، وعمق لا مدى له، ذلكم هو الحال حينما يحاول المتحدث والكاتب رصد سمات الأمير المبارك، ورائد المبادرات النوعية، إنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز -حفظه الله وأمد في عمره على الطاعة والإيمان، وأدام عليه نعمه الظاهرة والباطنة- أمير المنطقة الشرقية،
إن الراصد لأعمال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز وجهوده الخيرة ومبادراته النوعية وأعماله الفذّة وأسلوبه في التعامل، والمتأمل لسيرته -حفظه الله- يجد أنه أمام شخصية لايستغرب عليها هذا العطاء المتنوع، والإسهام الثري، لا في جوانب الإنسانية فحسب، بل في كل باب، وفي كل مجال، ففي مجال العمل الإنساني والتطوعي، والبذل والسخاء فحدث ولا حرج، وأطلق العنان لعقلك وقلمك وطرفك لترصد صورًا متميزة منها، فسمو الأمير جبله الله على محبة الخير والعطاء، فهو -يحفظه الله- ندي الكف، جزل العطاء.
إن أول مبادرات هذا الأمير الشهم ما يأتي في إطار دعم دولة العلم والتعليم للتعليم العالي، لا في القطاع الحكومي، بل حتى في القطاع الخاص، وذلك التوجه الذي تفرضه المرحلة التي نعيشها، وهو توجه إلى إيجاد تميز في مخرجات التعليم العالي مبنية على الأخذ بكل أدوات التطور والتقنية، فالأمر كما قال خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وهو يدشن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: «إننا نعيش في عصر العلم والتقنية، وفي هذا العصر لا توجد قوة حقيقية بدون علم وتقنية، وسوف نظل على هامش العصر ما لم ننجح في التسلح بالعلم وتطوير التقنية»، ولذا فإن هذا التوجه سمة برزت في التعليم العالي الحكومي والأهلي، وأصبح هدفًا تتنافس فيه الجامعات السعودية، وتسعى إلى تحقيقه من خلال آليات كثيرة، ومنها التعاون بين جامعات المملكة والجامعات في العالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، واستقطاب الأساتذة الزائرين الذين لهم تميز وريادة، وخبرة في التأسيس والبناء والتطوير للإفادة من خبراتهم، ويظهر هذا التوجه جليًا في جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية إذ يعلن سمو الأمير تركي بن محمد بن فهد نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة رئيس مجلس إدارة التعليم أنه ليس الهدف إنشاء مبانٍ تعليمية فحسب، وإنما إنشاء مؤسسة تعليمية تسهم في صنع المستقبل، وإعداد قادته، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف انتهجت الجامعة نهجًا جديدًا في بناء نظامها وبرامجها، واتبعت فلسفة معمارية حديثة في تصميم مبانيها، وأنها منذ اليوم الأول لتأسيسها تنشد التميز وتحرص على الجودة والنوعية، لهذا انطلقت من حيث انتهى الآخرون، وحرصت أن تبقى جامعة سعودية آخذة بمواصفات عالمية، ومما لاشك فيه أن هذا منهج سديد، وموقف حميد، ورأي رشيد، حينما تتجه الجهود إلى الكيف دون الكم، وتبنى المعالجات على معرفة الواقع واستشراف المستقبل، لتركيز التعليم، وتحديثه وتطويره، ليواكب المرحلة الآنية، ويستوعب المستقبل بكل مفاجآته وأحداثه وتطوراته، وقد عبر عن هذا التوجه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز في كلمته الضافية في افتتاح جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية، في شهر شوال عام 1429 هـ، فبعد أن عبر عن سروره وابتهاجه بما أنعم الله سبحانه على هذه البلاد من انتشار التعليم العالي في مناطق المملكة الغالية، وتمكن أبناء وبنات المملكة العربية السعودية من ساحات التنافس العلمي والابتكار والإبداع، قال -يحفظه الله- مبينًا أهمية هذا التوجه وعناية المملكة بذلك: «أيها الأخوة الكرام: اسمحوا لي أن أنتهز هذه المناسبة لأؤكد على اهتمام الدولة بكفاءة مخرجات التعليم والتدريب لأبنائنا وبناتنا، وهو ما يتطلب تحقيق أعلى درجات الجودة الشاملة في برامجنا التعليمية والتدريبية، كما أؤكد على عزم حكومتكم على تذليل الصعاب التي تقف أمام تحقيق هذا الهدف، ومما لاشك فيه أن تشجيع الشراكة مع القطاع الخاص في دعم مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي والتنافس الإيجابي في تميز الخدمات والمخرجات يخدم أهدافنا الوطنية».
إن هذه العبارات التي يرسم فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز سياسة وتوجهًا لابد منه في هذه المرحلة لا يعني ضعفًا في التعليم وأدواته في مرحلة سبقت، وإنما هو منهج متكامل للتعامل مع التطورات المتلاحقة السريعة، التي أدرك المختصون أنها لا تعالج بالأعمال الفردية، وإنما يكون ذلك بالقرب من الموضوعية، وتوظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية، حتى تواكب العصر، وتحقق الفاعلية في التعليم بشتى أنواعه ومجالاته، ويعد هذا الأمر الذي أوضحه سلطان الخير من ضمن الأهداف العامة، والأسس الإستراتيجية لخطة التنمية الثالثة 1425-1426هـ-1429-1430هـ التي ورد فيها دعم وتشجيع البحث العلمي والتقني لمواكبة التوجه نحو اقتصاد المعرفة.
وتتوالى المبادرات النوعية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، ومنها: مؤسسة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للتنمية الإنسانية، وهي مؤسسة خيرية خاصة تحمل اسم سموه لتكون بمثابة المظلة التي تستوعب كافة مبادراته وبرامجه التنموية، ومنها: برنامج الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز لتنمية الشباب، ويسعى البرنامج إلى تحقيق الأهداف ذات علاقة لتأهيل وتوظيف الشباب وتنميتهم، ولقد حقق العديد من الانجازات في كلا المجالين، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي لتعميق التفوق والتميز في التحصيل الدراسي لطلاب وطالبات المنطقة الشرقية، ومنها: مشروع الأمير محمد بن فهد للمساكن الميسرة، وهذا البرنامج ثمرة لثاقب فكر سموه الكريم واستشرافه -حفظه الله- لتزايد الحاجة إلى السكن لدى الفئات المحتاجة على وجه الخصوص وسائر فئات المجتمع بشكل عام، ومنها: صندوق الأمير سلطان لدعم مشاريع السيدات الذي تأسس كوحدة مستقلة مالياً ولا تهدف للربح ، يعمل في مجال الدعم الفني والمالي للمبادرات من الفتيات والسيدات السعوديات وكذا المشاريع النسائية الصغيرة والجديدة والقائمة بالمنطقة الشرقية، ومنها: جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية بهدف تقديم خدمات الدعم والمساندة لأكبر عدد من المعاقين الذين هم في أمس الحاجة إلى الرعاية والتأهيل ضمن المجتمع مع منحهم فرص الاعتماد على النفس حتى يتسنى لهم سبر أغوار الحياة شأنهم في ذلك شأن أترابهم الآخرين، ومنها: مركز الدراسات والبحوث بإمارة المنطقة الشرقية للاستفادة العملية من البحوث والدراسات وتفعيل دور الكفاءات العلمية السعودية بما يخدم المنطقة، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد للأداء الحكومي المتميز، ومنها: مركز الأميرة جواهر لمشاعل الخير، وهو مشروع واعد، يضيف إلى المجتمع أسرًا فعالة منتجة، يعمل على أسس علمية واحترافية، تسعى إلى التطوير الدائم، والعطاء المستمر، ومنها: جائزة أجمل مدينة، حرصًا على إظهار المدن والمراكز بأجمل صورها من خلال الاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحة، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد لتوظيف المعاقين، وذلك من خلال تقديم نموذج ومعايير عالمية للتميز المؤسسي والفردي، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد لخدمة أعمال البر، والتي تهدف إلى التشجيع على أعمال البر في مجالات مختلفة؛ كالتبرعات والممارسات الخيرية والدارسات، ومنها: اللجنة الاستشارية لمتابعة المشاريع التنموية، وذلك من أجل تحقيق الأهداف المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك متابعة المشاريع التنموية، وإعداد استراتجية التنمية المستدامة بالمنطقة، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد للدعوة والمساجد، والتي تهدف إلى الوصول إلى التميز في مجال الدعوة وخدمة المساجد، ومنها: جائزة الأمير محمد بن فهد للخدمات الإلكترونية، لاستخدام الخدمات الالكترونية في جميع القطاعات الخدمية في المنطقة الشرقية.
وحقًا إن سمو أمير المنطقة الشرقية من نوادر الرجال الذين جعلوا رضا الله غايتهم، وخدمة الدين والوطن في مواقع مسؤولياتهم همهم، وتلمس احتياجات المواطنين ورفع معاناتهم مصدر سعادتهم، فنقول: هنيئًا لك ما حباك الله به، ونحتسب على الله أن يدخلك في الوعد الذي وعد به من سعى في هذه الأبواب الخيرة، وأن تكون مشاركًا في ثوابها، وهنيئًا لوطننا الغالي بمثل هذه المثل، ونسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يوفق قادتنا إلى كل خير، كما نسأله سبحانه أن يبارك في جهود سمو الأمير وعمله، وأن يجعل ما قدمه ويقدمه زاده إلى رضوان الله وجنته.
* مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية