لا شيء أجمل في الوجود من أن ترى آثار الفكر والثقافة والحضارة التي تؤمن بها وتنتمي إليها، والوطن الذي تعتز به؛ متجاوزا تخوم بلادك إلى غيرها من بلدان العالم.
لا شيء أجمل في الوجود، حين تتصالح الحضارات، وتتصافح الثقافات، وتلتقي الأديان على غاية واحدة، وهدف مشترك للإنسانية. لا شيء أجمل في الوجود، حين تجد من أبناء وطنك، ومن بني جلدتك من يحمل هذا الشعور الكبير، ويترجم هذا الإحساس النبيل إلى واقع عملي، حينها يصبح المواطن سفيرا للحكومة في أي موقع من مواقع العمل، وسفيرا لثقافته في أي مطرح من مطارح الغربة.
كل ما أشرت إليه من أمنيات لم يكن هاجسا، أو متخيلا، بل وجدناه مرتسما وحاضرا في عقول، وقلوب سفراء بلدنا في (تركيا)، وأقصد بهم تحديدا منسوبي (المدرسة السعودية هناك) في لقاء خاطف وسريع جمعنا بهم، و(بالقنصل السعودي) على هامش برنامج عمل وتدريب. كانت تلك الزيارة بالفعل إحدى الفرص السانحة والنادرة، اطلعنا من خلالها على بعض المناشط، والبرامج الثقافية، والمسابقات العلمية التي حملت خصوصيات وطننا الغالي، ودوره المتعاظم في محيط العالم الكبير.
خارج الوطن، الجميع مجنّدٌ في خدمته من غير منّة، شعارٌ كبير حمله الموفدون هناك، هكذا خيّل لي، وهكذا تصورت، ونحن نصافح القنصل، والمدير، والمعلم، والطالب، والطالبة، ومن خلفهم، ومن أمامهم (الإدارة العامة للمدارس السعودية في الخارج)، والتي هي بالفعل إحدى مفاخر ومنجزات (وزارة التربية).
لاشيء يعدل وطنك، على أية حال كان، وليست هناك عوامل يمكن أن تنسيك روابطك الوثيقة به. قرأت ذلك، في تعابير وجوه الموفدين، وأسارير نفوسهم. كل واحد منهم يدور في مخيلته قول القائل:
أماهُ! إن أشجت الأوطانُ مغترباً
إني لأوجعُ من أشجتهُ أوطانُ
والله لولا فروض العيش ما بقيت
بيني وبينك أبحارٌ وبلدانُ
حسبي من الوجد هجرانٌ منيتُ به
وحسبك العهدُ لا ينسيه هجرانُ
ليس عهدا واحدا، بل عهود مغلّظة قطعوها على أنفسهم، في سبيل خدمة الوطن وكيانه الكبير. ولم تكن العقبات، أو الصعوبات التي يواجهونها، في المباني هناك، أو وسائل النقل، أوالتنظيمات الإدارية والمالية، لتحد من انتمائهم، أو تعيق نشاطهم، بل كان لجهودهم الذاتية أثرٌ في تجاوز ما يواجه طموحهم الكبير، وهكذا يجب أن يكون عليه الإنسان السعودي حين يكتب له التمثيل لبلاده.
أبناء وطني: لا تنسوا أن عظمة الشعوب تأتي من الصفات النبيلة التي تبلورها الأخلاق الحميدة. لا تنسوا أن الدين، ومكارم الأخلاق شيء واحد لا يقبل الانفصال. هما ركنان مهمان قامت عليها دول وحضارات، ومن بينها هذا البلد، ولنستذكر بعض مقولات المؤسس الكبير لهذا الكيان العظيم (الملك عبد العزيز رحمه الله). بالتأكيد، السلوكيات الراقية هي التي ترقى بأبناء مجتمعك إلى عظمة الشعوب. تذكر، وأنت خارج وطنك إحدى المقولات المستحسنة (لجون كندي) (لا تسأل الدولة ماذا تستطيع أن تفعل من أجلك؟ بل اسأل نفسك ماذا تستطيع أن تفعل من أجل بلدك). هنا تختلف منطلقات المواطنة بين المجتمعات والشعوب.