يحجب وجهه بيديه وهو غاضب بشدة... حيلة لن تنفع لحجب ما تكيله الذاكرة..
طفق يبحث عن سر هذا الهجوم المباغت غير المتوقع سنتان مضتا...لماذا الآن؟
هل الأيام تحيك مؤامرة ضده كل هذه المدة.... تنثال عليه الذكريات حتى لا يكاد يستطيع الجلوس وحيداً دون أن يظهر خيالها أمامه.. سنتان مضتا... لم يكن يبالي كون مكتبه أمام عمارته التي تسكن إحدى شققها ..
لكنه الآن أبدل مكان طاولته حتى لا تقع عيناه على تلك النافذة التي كان يعرف من خلالها أنها تنظر إليه كلما أزاحت الستارة... أو أعلنت عن نومها بإرخائها..
استغرب أنه لا يفكر كثيراً في أسنانها الناتئة ومشيتها التي تعب معها لتستقيم.. كلما قال لها ملاحظة تتقبلها ببلادة ثم تبتسم... تلك الابتسامة الطفولية البريئة..
انتشله ولوج أحدهم المكتب وسؤاله عن شقة خالية سعد بوجود شخص يشغله... أو ظن أنه يشغله
الشقة الوحيدة الشاغرة هي شقتها... سعد بهذا فكر.. ربما لو قطنها غرباء سترحل عنه أطيافها.
انطلق ومعه الزبون وما أن دخل صفقته رائحة لا يمكن أن يخطئها.. تجلد ودلف إلى الصالة هناك واجهته النافذة المطلة على مكتبه..
أفاق على صوت الزبون.. هل لك أن تطلعني على كامل الشقة ؟؟
أجاب: نعم.. نعم، وهو يشير إلى المطبخ...؟؟
هناك رآها تغسل الأطباق... بوقفتها المعوجة..
التفتت وهي تبتسم..ثم اختفت من غير إغلاق الماء... شهق.. وبسرعة التفت إلى الرجل.. الواقف بجواره. اطمأن أنه لم يلاحظه... اقترب أكثر وبهدوء أغلق الصنبور ؟؟؟ جاء صوت الرجل.. مابالك ي..... هل تريد كسر الصنبور...!!
أجاب بارتياب...لا.. أحاول إغلاقه...
أجاب الرجل بدهشة وهل كان مفتوحاً.........!!!
اجتاحه خوف غريب ترك الصنبور... وهو يقول تعال لتشاهد باقي الغرف ...فتح باب غرفة النوم .... استقبلته رائحة زيت ألوان الرسم... وكأنها لم ترحل فوضاها كما هي الألوان مبعثرة على الأرض...واللوحات هنا وهناك... السرير مليء بالكتب...
تدارك نفسه وقال: اعذرني المكان تعمه الفوضى...!!
ابتسم الرجل وهو يرحل.... أنا لا أرى فوضى يا صديقي، بل أرى أنك لا تود أن يقطن الشقة أحد... المعذرة.. وداعاً.