من أفضل نعم الله تعالى علينا, نعمة الزاد، فلقمة طيبة، تعفي من الدواء.., تعادلها عندي, نعمة الله على الكتاب بقارئ صادق, دائم، يتابع ما تكتبه له, يكون لك رفقة لا توحشك معها, غربة المشهد.. ولا غرائبيته..
وإنكم الزاد والرفقة، فشكرا على المتابعة، وشكرا لكل تعقيب يرد، بكلامكم الطيب، وجمالكم الأطيب, وهو محل التقدير والاحتفاء.. لا تتسع الزاوية لجميع أسمائكم أعزائي, لكن الذاكرة أبدا لا تضيق بكم. فلنواصل الرفقة، ونتجاسر معا على الوعثاء في مشاهد الحياة، والأحياء.
أتذكر مقالة كتبها زمنا من سنوات مضت أستاذنا القدير معالي الدكتور أحمد الضبيب عن تاجر الشنطة، وأخرى عن دكتوراه الصيف, عالج في الأولى منهما، ظاهرة التهافت على الكتابة، والنقد ممن يملك، وممن لا يملك من القدرات، والنزاهة, والموضوعية، ما يؤهل منجزه من القبول بين المختصين, أو المتذوقين، إذ القراء يختلفون في مقاييسهم وفق ما يملكون منها، وكان بقدر ما قسى فيهما، موضوعيا يتناسب ما كتب وقتذاك، مع ما يحدث في وقتنا الراهن عكسا, ليس في مجال النقد بل في غالبية مجالات الكتابة،...
لقد كان لمن يريد الكتابة، أن يمر بمراحل وخطوات كثيرة، عليه أن يتدرج في بناء الخبرات, ليجد في النهاية من يفسح له الضوء الأخضر, وتجارب الكتاب الكبار في العالم أجمع، كانت تنحو في مسالك الفرص التي يصنعها الكاتب نفسه لنفسه، حيث يدرك أن النشر له أصوله وشروطه ومعاييره الفكرية واللغوية، إضافة إلى الملكة والثقافة والمعرفة والجدة والنوعية,..
بينما الآن غدت الوسيلة الإعلامية أو دور النشر لكل من يجمع ورقا، ويرسم حرفا.., والغالبية مفرغة من أشياء وربما كل شيء من تلك...
أما دكتوراه الصيف، تلك المقالة التي عاب فيها أستاذنا على من يحصل على الدرجة العلمية في عجلة, ودون انكباب في الوقت، ونوعية ومستوى التحصيل، وكفاءته, ودون تقيد بالكيفية، والمنهجية، والزمنية من شروط المرحلة الدراسية، بما لاحظ من فراغ الزوادة، وضحالة المعين، فإن الوقت الراهن يشهد في الموضوع ذاته، تبدل كل وسائل التحصيل، إلى ما يزيد في قرع الآذان، والطرق على مكامن الضمائر، بعد أن أصبحت ميسورة سبل التجميع والتدوير والتحوير,...
واختلط حابل الهشاشة والفقر، بحاصل التمكن والقدرة والعصامية..
فكما إن يسر الوسائل مكن المتمكن من حصيلة، وهيأه للإبداع والإضافة والكفاية، فإنه يسر للمتسطح العابث بقيم التعلم والتحصيل سبل المراوغة..
وكما اختلف موقف الإعلام ممن يكتبون فينتسبون، اختلط شأن الحاصدين من المتعلمين.. وبقى المستوى في كفة المستهلكين...من يفصل..؟ ومن يثمن..؟ وكيف هو الميزان..؟ ولأن الإعلام والتعليم أكثر المجالات مسؤولية عن فكر الأفراد...
فإنهما أشد حاجة للمعايير الجادة..فخلف الضوء هناك شمس، وخلف المسميات هناك كيان حقيقة..
لكم:
من أقصى السحاب قطرة نروي معا يباب الصيف, وأخرى نربت بها على جبين أيام قادمة بالمطر.., بالبرد، محرضة المُقوين لإيقاد شجر الأمل في آت بجيل من العطاء، وإنسان فيها يقوِّم نفسه, قبل أن يقوِّمه الآخرون، ويزن نفسَه، قبل أن يفعلوا...
في علمه وعمله..
أسعدكم الله قرائي الأعزاء...
تلك هباتكم، وقد تنعَمت عبَقها..