|
حوار: وهيب الوهيبي :
يرى الدكتور عادل بن محمد السليم الأمين العام لمؤسسة محمد وعبدالله بن إبراهيم السبيعي الخيرية أحد أبرز القيادات العاملة في ميدان العمل الخيري أن تحويل إدارة الأعمال الخيرية إلى عمل مؤسسي كما هو موجود في الغرب يدفع بالمجتمع والبلد نحو الريادة على مستوى العالم في هذا المجال، ويساهم في تحقيق تقدم ومسيرة البلد.
ولفت الدكتور السليم في حواره مع (الجزيرة) إلى أن المؤسسة لديها معايير في خططها العامة تخضع لحاجة الميدان وللمساعدة على تحسين الأداء لتحقيق الهدف الأسمى والغاية النبيلة لخدمة العمل الخيري.
وفيما يأتي نص الحوار:
رؤية تكاملية
بداية.. أود إعطاء القارئ إضاءات عن المؤسسة وأبرز برامجها الخيرية ومناشطها الاجتماعية.
- إن استعراض تاريخ مؤسسة محمد وعبدالله بن إبراهيم السبيعي الخيرية يأتي على مراحل متعددة؛ حيث بدأ بالوقوف على تجارب سابقة للمؤسسات المانحة (مثل: مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية، ومؤسسة الجميح الخيرية) بالاستفادة منها والانطلاق من حيث وصل الآخرون. وحينما بارك الشيخان محمد وعبد الله السبيعي قرار تحويل عدد من الأوقاف لإنشاء مؤسسة خيرية مهنية قبل ثماني سنوات من الآن وهي تسعى منذ انطلاقتها إلى رسم ملامح المؤسسة وأهدافها المستقبلية لتسير بعد ذلك وفق خطط عمل وفرق متكاتفة, ونرجو أن نكون قد وُفّقنا في محاولة رسم رؤية حول مهنية المؤسسات المانحة.
وأستطيع القول إن الرؤية التي تسير على ضوئها المؤسسة كانت في التوافق جنباً إلى جنب مع المستفيدين الذين هم بمثابة شركاء دائمين لأنشطة وبرامج المؤسسة؛ فنحن نسعى إلى تكامل الجهود بيننا وبين الميدان؛ حيث تم اعتماد معطيات ومعايير عدة في الخطط العامة بناءً على حاجة الميدان وللمساعدة على تحسين الأداء والتقدم المستمر؛ لتحقيق الهدف الأسمى والغاية النبيلة لخدمة العمل الخيري والإسهام بفعالية في برامج تنمية المجتمع التي هي أحد المرتكزات في وصية الشيخين حفظهما الله.
صلة وثيقة
ما مدى تعاونكم مع وزارة الشؤون الاجتماعية في تقديم برامج مشتركة تستهدف المحتاجين؟
- علاقتنا مع الوزارة علاقة ارتباط وصلة وثيقة؛ كونها الجهة الأم لنا ولمثيلاتنا من المؤسسات الخيرية المنتشرة في مناطق المملكة،
بل مما أسعدنا في العام الماضي زيارة وكيل الوزارة المساعد للشؤون الاجتماعية الأستاذ عبد العزيز الهدلق والأستاذ مشوح الحوشان المدير العام للجمعيات والمؤسسات الخيرية، وحين بدأنا الحديث سوياً حول أوجه العلاقة المشتركة ورسم التعاون تبيّن لنا جميعاً أن ثمة فجوة بين الجهات والوزارة رغم الاتفاق التام في الأهداف والرؤى، بل وجدنا بعض الأنشطة المشتركة الفاعلة وبعض البرامج الاستراتيجية على مستوى البلد هي محل اتفاق بين الجهتين، ولكن ثمة حواجز ربما بعضها ناتج عن افتقاد التنسيق المتواصل فيما يتعلق بالبرامج المشتركة وتبادل الخبرات بين الطرفين, ومعالجة ذلك بدون شك تساهم في تعزيز صورة الوزارة الإشرافية لدى المنتمين إليها كافة, وتوجيه الاهتمام نحو نشر الوعي الاجتماعي.
ونحن بدأنا مع الوزارة في عدد من المشاريع المشتركة، ونأمل أن تقترب المسافة أكبر ويكون التفهم من كل طرف إلى الطرف الآخر أكثر فاعلية من الموجود في الفترة الحالية, ونرى أن الخطوات تسير نحو ذلك.
عمل مؤسسي
من خلال عملكم كيف يمكن تحويل إدارة الأعمال الخيرية إلى عمل مؤسسي احترافي، خاصة أن لكم تجربة ثرية في هذا الشأن؟
- نجاح المؤسسة بعد توفيق الله وثقة الشيخين وأبنائهما يعود إلى بركة فرق عمل تتخذ القرارات بشكل مؤسسي؛ فقرارات هذه المؤسسة لا يمكن أن يتصدرها شخص واحد أو عقلية واحدة، بل هي مزيج مشترك بين المالك والأمانة العامة وفريق العمل في المؤسسة، بل أقول إن شريك المؤسسة المستفيد في كثير من الأحيان. وتجربة المؤسسة تبدأ من تسلسل الهيكل من مجلس الأمناء الذي يعتمد قرارات المؤسسة في لقائه السنوي في شهر رمضان، وهو يضم الشيخين وأبناءهما، ولا بد من الإشارة إلى جزئية أن المجلس يتم تحديد أفراده بناءً على نظرة مؤسسية؛ فهو ينقسم إلى 70 % من الشيخين محمد وعبدالله وأبنائهما و30 % تتوزع بين الخبرات الشرعية والإدارية، فعلى سبيل المثال يضم المجلس الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام والشيخ الدكتور صالح بن عبدالكريم الزيد القاضي بمحكمة التميز بالرياض والدكتور سليمان السماحي الخبير في الأنظمة الإدارية.
يأتي بعد ذلك اللجنة التنفيذية من (7) أعضاء من أبناء الشيخين والأمانة العامة للمؤسسة والشيخ الدكتور صالح بن عبدالكريم الزيد، ولها ( 5) لقاءات سنوية، وتمارس دور الإشراف والمتابعة، ثم تندرج الإدارات على النحو الآتي: إدارات العمل الخيري والإدارة المالية وإدارة التقويم والجودة وإدارة الإعلام والعلاقات العامة والإدارة الفنية، وتشمل الهندسية والتقنية.
وجميع هذه الإدارات تشارك في صناعة القرار الذي يتسم بالجماعية من خلال مجلس أسبوعي لفريق المؤسسة، برئاسة الأمين العام وعضوية مديري الإدارات لمتابعة واعتماد سير العمل وخروج القرارات المؤسسية.إضافة إلى وجود آليات عمل مقننة في دعم المشاريع؛ فمثلاً اختيار المشروع يتم من خلال دراسة ومسح ميداني وتحديد احتياج وأولويات ثم مرحلة مهمة بعد ذلك هي المعايير والمؤشرات لكل مشروع، وهي مقاييس محددة تساعد في اختيار المشروع.
بعد ذلك نطرق مثلاً إلى ما نسميه في المؤسسة خط إنتاج المشروع المدعوم، وهي عمليات محددة تبدأ مع بداية المشروع حتى نهايته، وكل مرحلة مرتبطة بفريق عمل محدد ومهام واضحة.
العمل التطوعي
في نظركم، ما الآلية المناسبة للاستفادة من التجربة الغربية في ميدان العمل التطوعي؟
- أولاً حينما نعلم أن الولايات المتحدة فيها قرابة (75) ألف مؤسسة مانحة، وأصول هذه المنظمات لمليارات الدولارات، وفي بريطانيا (9) آلاف منظمة، وفي أستراليا (2000) منظمة, فهذا بلا شك مؤشر واضح عندما نعلم أيضاً عدد المؤسسات المانحة في المملكة (88)، منها (50) جهة نشأت في السنوات الثلاث الأخيرة, فالفارق ملحوظ، ولاسيما أن ما نطمح إليه جميعاً في هذه المؤسسة هو ريادة تطوير العمل الخيري، سواءً أكان هذا التطوير لأفراد ورجالات العمل الخيري أو للرؤى والأهداف المرتقبة للعمل الخيري.ونحن نفتح الباب أمام الجادين والمهتمين بالعمل الخيري في المملكة باستثمار هؤلاء الكفاءات وابتعاثهم لدراسة الماجستير والدكتوراه في الخارج، والاستفادة من التجربة العريقة للغرب في ميدان العمل التطوعي؛ كونهم سبقونا في هذا الميدان الذي ينبعث لدينا نحن من عقيدة ومنهج حياة بل وجزء من كيان هذا البلد الإسلامي.إننا نتمنى أن تتحول الأعمال الخيرية وإدارة الأعمال الخيرية من احتراف إلى مهنية وإلى مؤسسية كما هو موجود في الغرب؛ لتدفع بالمجتمع والبلد نحو الريادة على مستوى العالم في هذا المجال؛ حتى نكون بالفعل قد حققنا جزءاً في تقدم ومسيرة هذا البلد المعطاء (المملكة العربية السعودية).
إنّ خلاصة هدف اطلاعنا على التجارب المختلفة تتمثل في أن لدينا غاية نسعى إلى تحقيقها من خلال أن الحرفية المنشودة ليست في تقديم الدعم المادي فحسب, بل في تقديم مادة ثرية مشتركة بجميع مقومات الفكرة المبتكرة والهدف الواضح والتنفيذ الملائم لمستوى المشروع الممول انتهاءً بتقييم هذا العمل وقياسه بناءً على معايير ومؤشرات محددة قبل البدء في التنفيذ.
وكلنا أمل في الارتقاء بهذه الحرفة إلى ميادين التفوق والسمو، وذلك لن يكون إلا بتكامل الجهود بين الجهات المعنية كافة.
تحسين الصورة
أصاب العمل الخيري الكثير من التشويه والاتهامات في السنوات الأخيرة.. كيف يمكن تحسين هذه الصورة وإيضاح حقيقته للعالم؟
- المملكة العربية السعودية بوصفها بلداً يوجد به الحرمان الشريفان ويقوده رجال الخير، وعلى أساس النشأة الدينية للمجتمع؛ فقد نما حب الخير في نفوس أبناء هذا البلد منذ البداية؛ لذلك نجد بحمد الله التوسع المطرد بين الحين والآخر في الأعمال الخيرية والتطوعية. وبطبيعة هذه الحالة فإن البدايات في أي عمل تكون متواضعة أو تقليدية إلى حد كبير, ويغلب عليها الطابع المبني على الاجتهادات الفردية في إدارة الأعمال، إضافة إلى تقصير بعض الجهات في الاهتمام بالكادر الوظيفي من ناحية الاختيار وتقديم دورات تطويرية مستمرة تساهم في الارتقاء بالمهنية المؤسسية للجهات الخيرية والخروج بقرارات فاعلة ومتميزة تساعد في تعزيز صورة الجهات الخيرية لدى المجتمع.
ويلاحظ الجميع التطور التدريجي في عمل هذه المؤسسات والتحول من قناعات الأفراد والآراء الشخصية إلى العمل المؤسسي والقرارات المجلسية، بل حتى على مستوى التجار نلحظ تحول الكثير منهم بحمد الله إلى إنشاء مؤسسات ومكاتب خيرية مانحة لتتولى مهمة توزيع الأموال وفق عمل منهجي مدروس.
إن العمل التطوعي - كما أشرت سابقاً - يقوم على الخيرية الفطرية لأهل هذا البلد، وما يصاحب ذلك من صدق في العطاء وجود في البذل وهما لا يغنيان عن أهمية وجود الحس الإداري المتقن لهذه الأعمال متمثلاً في أعلى مراتب الجودة التي أمر بها الدين العظيم في أسمى معاني الجودة، وهي الإتقان «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، وهذا يتوجب وجود جهاز رقابي لضبط العمليات الإدارية ومتابعة سيرها بشكل صحيح.
رسالة
ما الرسالة التي تود توجيهها إلى قيادات العمل الخيري؟
- أؤكد على نفسي وإخواني العاملين في قطاعات العمل الخيري أنه لا بد من مراعاة الحدث العالمي في محاولة تشويه صورة المملكة أمام ناظري العالم في أعمالنا ومشاريعنا وإداراتنا؛ ما يساعدنا بلا شك في تحسين هذه الصورة وإيضاح حقيقتها للعالم, من خلال الحرص والاجتهاد الدائم في ابتكار وتجديد محتوى ما يقدَّم من برامج ومشاريع خيرية متكاملة, تقدم خدماتها إلى شرائح المجتمع كافة، وتسهم بفعالية في تحقيق التنمية المستدامة لبلاد الحرمين الشريفين.
إن معاني الشرف والمسؤولية التي حملها الله على عاتق العاملين في هذا المجال تستلزم الوفاء بها والعمل بالوسائل المناسبة لنيل ما تم التخطيط له وفقاً لأساسيات الإتقان الإداري متبوعاً بتوثيق التجارب المتميزة ليتسنى للجميع الاستفادة منها ونقلها في أنحاء المعمورة كافة. ولا يفوتني أن أشكر لصحيفتكم الغراء وجودها الدائم في المناسبات الخيرية وتغطياتها الإعلامية.