يقال إن أحد الشباب حين دعت له والدته بدخول الجنة، طلب استبدال الدعوة بقبوله جندي في القطاع العسكري!! بما يشير إلى تكالب الشباب على الوظائف العسكرية بعد أن كانت الحكومة تدلل على تلك الوظائف وتستنجد بالشباب للانضمام لها خدمة لوطنهم وتحسينا لأوضاعهمّ!!
وما زال بريق الوظيفة الحكومية بشكل عام بشقيها المدني والعسكري يخطف أنظار الشباب، فتراهم ينتظرون دورهم لأقرب فرصة للالتحاق بتلك الوظائف المريحة على حد آمالهمّ! بل إنه حين يلتحق الشاب بوظيفة في القطاع الخاص تجده متململاً يرقب أي فرصة سانحة ووظيفة شاغرة في السلك الحكومي، فلا يستطيع بناء جسور مشاعر الانتماء للشركة، ولا يمكن أن يبدع بها أو يخلص لها أو يحقق طموح الشركة بوجوده! فالوظيفة الحكومية بزعمه تمنحه الأمن والاستقرار الوظيفي. والواقع أنها تمنحه الراحة والاسترخاء، سواء بوقت دوامها القصير والمتقطع في الجلسات الممتدة للإفطار والقهوة، أو الوقت الطويل المهدر بحجة أداء صلاة الظهر وبالتالي تعطيل مصالح الناس، أو بخروجه الباكر بهدف إحضار الأولاد من مدارسهم ومشاركتهم وجبة الغداء، والاستمتاع بالقيلولة السعودية على وزن المثلوثة المشهورة! وقد لا يكتفي الموظف بهذه الرفاهية، فتراه متذمرا طيلة الوقت من الدوام وهمّه، ومتأففا من تدقيق المدير على الحضور والانصراف، ومتضجرا من المراجعين الذين لا يضرب لهم حسابا فلا يرحم كبيرهم ولا يحترم المحتاج لخدماته، الذي تجشم الحضور وعانى من زحمة الطرق فلا يجد الموظف المسؤول، بينما ذلك الموظف المتسيب يتمنى لو استلم راتبه وهو نائم أو كاشتّ! وللكشتة بريق لدى الشاب السعودي بوجه خاص لاسيما في فصل الشتاء.حتى تراه يجمع راتبه طيلة العام ويستلف مثله ليشتري (جيب شاص ربع) متخصص بالطعوسّ!! ثم يجهز متطلبات الرحلة، ويغادر المدينة نحو البر مدة لا تقل عن شهر تاركاً أسرته ووظيفته متحايلا على النظام بإحضار تقارير طبية وإجازات اضطرارية إلى أن يحلها ربك (بزعمه) ويعود شاكياً من الفقر وقلة الدخلّ! وحامل هذه الثقافة البرية (المكشاتية) لا يناسبه بالتأكيد العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة، لأنها تعتمد على الجدية والانضباط وتحمل المسؤولية، ولو جرب العمل فيها وكان طموحاً منتجاً صابراً على طول وقت الدوام وساعاته لحصل على راتب يفوق راتبه في الدولة، إضافة إلى الدورات التدريبية والعمولات والمكافآت السنوية. ولتقلد منصباً يليق به ويتناسب مع جهده، ولكن المؤسف هو تسرب الشباب من تلك الوظائف وعدم صبرهم ومثابرتهم، وبالتالي يعودون للشكوى من البطالة وعدم توفر قنوات للعمل، وهم بالواقع يطلبون عملاً بمواصفات وظيفة حكومية.
وإننا لنأسى حين نرى أبناء البلد ومستقبله يصدون عن تلك الوظائف الواعدة في المؤسسات والشركات ولا يعيشون الواقع وهم ينتظرون الوظيفة الحكوميةّ! وفي المقابل نجد الأخوة الوافدين وقد التزموا في دوامهم، وتحملوا مسؤوليته وصبروا على تبعات الوظيفة، وتعاملوا مع الجمهور بأسلوب حضاري، وكأنهم في بلادهم حيث تحكمهم ثقافة العمل فتراها فيهم في أفضل صورها، كما أن لديهم انتماء للمنظمة التي يعملون فيها، وكأنهم يملكونها أو يملكون أسهما فيها فيشاركون في نجاحها.
إن تغيير فكرة العمل لدى الشركات الكبيرة أو المؤسسات الخاصة مسؤولية الأسرة والمجتمع، والمعاهد والجامعات، ومهما كانت مميزات الوظائف الحكومية؛ فإنها لن تستوعب هذه الأرتال البشرية من الشباب الذين تقذف بهم الجامعات كل عام إلى المجهول أو البطالة، أيهما أسوأ..