باعتباري تربوي أنصح ابني دائما بأن يزن الأمور الدنيوية بعقله، وأن يحتكم إلى قناعاته الشخصية المنطقية فيما يطلب منه تنفيذه أو المشاركة فيه. كما أنني أذكر ابني بأن الآخرين سوف يحترمون رأيه وقناعاته الشخصية إذا ما أسسها على العقل والمنطق وليس الهوى، طلبت من ابني ألا يكون صيدا سهلا للآخرين فيعيرهم عقله ويتركهم يفكرون نيابة عنه ويكتفي هو بالإذعان والقبول والتنفيذ الأعمى، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان.
أصبحت عندما أطلب من ابني الصغير أمرا يواجهني- أحيانا- مبتسما بالقول إنني غير مقتنع بهذا الأمر يا أبي، ثم ألست أنت من طلب مني ألا أشارك في تنفيذ أي عمل ليس لدي القناعة به ولا يقبله عقلي؟ فلماذا تدعوني الآن إلى خلاف ذلك؟ ويحدث أحيانا عندما أطرح على ابني توجيها أن يقول لي بأدب أن له رأيا آخر مختلفا وأن علي أن أحترم رأيه.
بدأ ابني يصبح صعب المراس، في السابق كان ابني ينفذ كل ما أطلبه منه بشكل أعمى دون أن يسأل، أما اليوم فقد أصبح يدخل معي في مماحكات وأسئلة عقلانية قبل أن ينفذ أو يستجيب.
تذكرت حينها كيف أن تعليمنا العربي تجاهل قصدا مخاطبة العقل، الأمر الذي سهل من عملية تدجين وتنميط وتسطيح المواطن العربي، عندئذ تنازل عن عقله وهبطت هممه وأمكن قيادته وتوجيهه بيسر إلى حيث يراد له.