مؤشرات التنافسية الدولية تلعب دورين رئيسين، الأول لصالح الحكومة، حيث تحلل وتحدّد هذه المؤشرات مواطن الخلل وعمق أثرها وتشعّباته على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتتحرك لمعالجته، والثاني لصالح المستثمر، حيث يتمكن من معرفة حقيقة البيئة الاستثمارية بالمجمل، كما يعرف تفاصيل مكوّناتها ليحدد فيما إذا كانت بيئة مناسبة للاستثمار أم هناك أفضل منها.
تحقيق المملكة لقفزات كبيرة في مؤشر تقرير سهولة أداء الأعمال الذي صدر قبل عدة أيام من المركز (67) إلى المركز (11) خلال خمس سنوات، بفضل تكامل وتعاون هيئة الاستثمار مع الأجهزة الحكومية في تحسين أنظمة وإجراءات أداء الأعمال، لتتوافق مع أفضل الممارسات والتطبيقات العالمية، شيء مفرح وجيد ونهنئ قيادتنا وأنفسنا عليه، ونسأل الله أن نرى آثار هذا التقدم على المديين المتوسط والبعيد، بعد أن رأينا آثاره الإيجابية على المدى القصير والتي تمثلت بمضاعفة أعداد السجلات التجارية للمواطنين، وتقدم بلادنا أيضا في مؤشر جذب الاستثمارات الأجنبية (الاونكتاد) التي نتوقع لها الارتفاع شيئاً فشيئاً.
ولعل ما قاله محافظ هيئة الاستثمار بأننا دخلنا مرحلة جديدة في سباق التنافسية، وأصبحنا نتنافس مع دول متقدمه في هذا المجال، تثابر للتقدم أو المحافظة على تقدمها يعكس حجم التفاؤل بمستقبل واعد لحراك اقتصادي أوسع وأشمل، بإجراء مزيد من التحسينات في بيئتنا الاستثمارية، وهو أمر يؤكد أيضاً أننا ماضون في تحقيق ما ننشده من تحسن بالعمل الجاد المقاس لتتوافق أنظمتنا وإجراءاتنا مع المعايير العالمية.
هذا النجاح وهذا التفاؤل لا يجعلنا نغفل عن الإخفاقات لنعالجها، فللأسف الشديد ومما أطلعت عليه من النتائج التي حققتها بلادنا في التقرير الأخير، هو محافظة المملكة على ترتيبها في مؤشر إنفاذ العقود (140)، وهو أمر ليس مقبولاًً بتاتاً أن نحافظ على المركز المتأخر من أصل (183) دولة، ذلك أن مؤشر إنفاذ العقود مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة العدلية من جهة مدة وعدد إجراءات وتكاليف التقاضي في القضايا التجارية، وتنفيذ أحكامها، وهي عناصر حاسمة بالنسبة للمستثمرين إذ إن قوة البيئة العدلية وقوة النظام وقوة تنفيذه، لا تشكل أثراً إيجابياً على قدرة المتقاضين على الحصول على حقوقهم بأعلى كفاءة عدلية، وأقل وقت وتكلفة فقط، بل إن الأمر يتعدى ذلك بكثير، إذ إن قوة النظام وقوة تنفيذه ذات أثر كبير على تشكيل ثقافة التعامل بين المستثمرين وكافة الأطراف ذات الصلة، من ممولين وموردين وعملاء ومنافسين وموظفين.
نعم فالكل يعلم أنه في حال قوة النظام القضائي وقوة تطبيقه، فإن العدل يصبح سمة من سمات المجتمع وثقافة للجميع، تمنع طغيان أي طرف على آخر دون الحاجة للتقاضي ثقة بقوة النظام وقوة تنفيذه، ولأدلل على ذلك لنرى أثر قوة نظام ساهر الذي يرصد ويخالف ويضغط للتحصيل على معدلات السرعة في طرقنا بعد تطبيقه، وأكاد أجزم أنه بعد حوالي خمس سنوات، سنجد أن السرعة في حدود المعدل أصبحت ثقافة عامة لدى قادة المركبات في بلادنا.
لذلك من حقي وحق كل مواطن أن يأسف على الثبات في هذا المركز المتخلّف الذي لا يتناسب ومكانتنا كدولة تطبيق الشريعة الإسلامية التي يجب أن تكون مثالاً ونموذجاً للعدالة من جهة قوة النظام، ومن جهة قوة وسرعة تنفيذه على من يتجاوزه.
نعم هناك إصلاحات متعلقة بالبيئة القضائية نتجت عن تعاون كبير وقائم من قبل هيئة الاستثمار مع المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل وديوان المظالم، ساهمت في صدور قرار إنشاء المحاكم التجارية وتكليف عدد من القضاة لتنفيذ الأحكام النهائية، والبدء في تطبيق مشروع المحكمة الإلكترونية بديوان المظالم، إلا أن مؤشر نفاذ العقود الذي لا يجامل أحداً أوضح أننا في مؤشر إنفاذ العقود « مكانك سِر « وأن القضاء التجاري ما زال بعيداً كل البعد عن طموحات القيادة ومجتمع الأعمال المحلي والدولي وطموحاتنا كمواطنين، نعتقد أن بلادنا يجب أن تحقق المركز الأول دون منازع في هذا المؤشر على وجه الخصوص، فهل من مبررات من قبل الأجهزة القضائية لهذا التخلف في هذا المؤشر؟ وهل من خطة عمل واضحة ومحددة تعلن للجميع لتحقيق قفزات في هذا المؤشر بالسنوات القادمة كنموذج برنامج 10×10 (الذي أعلن القائمون عليه أن يستهدفوا تحقيق المركز العاشر في مؤشر التنافسية عام 2010م) كأن تعلن وزارة العدل بالتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء أننا سنحقق المركز العاشر في هذا المؤشر عام 2013م مثلا، هذا ما نرجوه ونسأل الله أن يتحقق.