نشرت جريدة (الجزيرة) محاضرة لمعالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى، ألقاها في المدينة المنورة. أثناء قراءتي للمحاضرة لفت نظري قول معاليه: (بالنسبة لتعامل الوزارة وتعاطيها مع الإعلام هو في تقديري (إيجابي) ولا نعلم عن الإعلام في هذا إلاّ التبادل بالتعاطي الإيجابي، تحصل بعض التصعيدات الإعلامية، وتجعل من الصغائر كبائر، وتجعل من الحالات النادرة قضايا كبرى، والله لم نعهد من إعلامنا إلاّ كل تعاط إيجابي). انتهى.
هذه شهادة نعتزُّ بها – نحن الكتّاب والإعلاميون – خاصة وأنها صدرت من المسؤول عن العدل في البلاد، بعد أن جعلنا بعض طلبة العلم، وبالذات من ذوي التوجُّه (الإخواني) الحركي، أو من يسيرون دونما وعي في ركابهم، ذريعة ينطلقون منها في مقاومتهم لأي تطوير أو تقويم أو إصلاح، لأنهم يدركون تماماً أنّ أيّ تطوير، أو تقويم لأخطاء الماضي، سيمس في النهاية مصالحهم المرتبطة (بالراهن المتكلس) ارتباط الكف بالساعد؛ فبعضهم مثل الطحالب ما إن تتعرّض (للشمس) حتى يبدأ الموت يسري إلى تكويناتها؛ وهذا ما يُثبته بوضوح التصعيد ومقاومة الإصلاح، ومقالات الهجاء والشتم والقدْح التي تمتلئ بها مواقع هؤلاء الحركيين، وبالذات (الإخوانيين) منهم، على شبكة الإنترنت، وحملاتهم المتكررة على الإعلام والإعلاميين في المملكة.
وعن ملابسات قضية فساد القاضي المسحور، والذي كشفت الصحافة بعضاً من تفاصيلها، قال الدكتور العيسى: (الموضوع محل تحقيق، ولا ننفي أبداً أنه حصل فيه ما يوجب هذا التحقيق، ولم يصدر منا (نفي) له مطلقاً، لكن نعتب على الإسهاب في أمر في طور التحقيق والتبيُّن، والقضاة من قبل ومن بعد (ليسوا ملائكة)، وبكل حال، فإنّ موضوع قضية المدينة المنورة (لا نقبله)، والمدان سيأخذ جزاءه (كائناً من كان)، وفي هذا أحب أن أشير إلى أنه لا علاقة لنا في الوزارة بالتفتيش على القضاة ولا مساءلتهم عن أعمالهم). انتهى .. دعوني أعيد ترتيب ما فهمته من هذا المقطع في سياق آخر، لأنّ هناك على ما يبدو لَبْس في فهم هذه الجزئية؛ يقول الوزير: الموضوع (لا نقبله) وهو محل تحقيق .. الوزارة لم تنف القضية ولم يصدر منها نفي (إطلاقاً) لهذا الموضوع .. القضاة ليسوا ملائكة وإنما بشر يخطئون ويحاسبون.. المدان سيعاقب كائناً من كان .. لا علاقة للوزارة بالتفتيش القضائي ولا مساءلة القضاة، وبالتالي فالوزير والوزارة خارج نطاق المسؤولية تماماً.
طيِّب – يا معالي الوزير – هناك من صرّح ممن يملكون سُلطة التفتيش القضائي منذ البداية أنّ القضية من أساسها لا أصل لها؛ فلم ينمُ إلى علمهم (كذا) ما يستوجب التحقيق. ومثل هذا التصريح فهمه الناس على أنه اتهام للصحافة، وأنها تفبرك القضايا، وتسيء للجهاز القضائي، بينما القضية هي الآن محل تحقيق، ولو لم يكن ثمة ما يستدعي الحقيق لما حُقق في الأمر، فعلى أي أساس جرى النفي منذ البداية؟.. أما قضية الاختصاصات، هذا من اختصاص وزارة العدل، وذاك من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء، فهي مسائل تفصيلية، فالوزارة والمجلس مؤسستان حكوميتان تنتميان إلى حكومة واحدة؛ وأغلب الناس لا يفرّقون بين هذه التفاصيل التنظيمية.
وعلى أية حال فإذا كان ثمة إيجابية لقضية القاضي والجن التي يندى لها الجبين، فإنها ألقت الضوء بقوّة على (تداخل) الاختصاصات بين منشأتين كلاهما تسعى لتحقيق هدف واحد وهو إقامة العدل، وتنظيم القضاء. ولكي لا (نصبح مثل الأطرش في الزفّة) يجب أن تُحَدّد المسؤوليات والاختصاصات بوضوح؛ فلا أخفيك أننا، ومعنا كثيرون، وبعضهم قضاة أيضاً، حيرى لا ندري على وجه التحديد مَن المسؤول، ومَن هو صاحب الاختصاص؛ أهي الوزارة أم المجلس في كثير من المواضيع العدلية.
إلى اللقاء.