رجال الأمن في الحج يقفون وقفة رجل واحد، وينتشرون في أصعدة المشاعر المقدسة تقودهم عقول قيادات صقلتها سنوات الخبرة لتفرز نتاجها عبر مخططات أمنية موفقة ينفذها رجال الأمن البواسل، وذلك بهدف إخراج موسم الحج والذي يعد أصعب وأحلك التجمعات البشرية في العالم المناسبات.
إن خطط الحج وفي مقدمتها الخطط الأمنية الموفقة وبحكم طبيعة المهمة تشكل عقداً منتظماً مع بقية الوزارات والدوائر والجهات الحكومية والأهلية المعنية بالحج، ولا يمكن للمهمة أن تنجح دون مشاركة وتضافر وتكاتف جهود الجميع. إن الأمن العام شرع في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لبناء خطط موسم العمرة والحج.
ربما يعتقد الكثيرون أن نهاية موسم الحج تعني للسلطات السعودية فترة خلود للراحة، لكن الواقع يبدو مختلفا كثيرا عن هذا الاعتقاد، فمنذ أداء الحجاج لفريضتهم وحتى مغادرة آخر فرد منهم الأراضي، تبدأ جميع الجهات المختصة وذات العلاقة بالحج في إعداد برامجها وخططها ووضعها محل التنفيذ لترفع جهوزية البلاد في موسم الحج المقبل.
يحتل القطاع الأمني جزءا كبيرا من هذه الاستعدادات والترتيبات ليشكل محورا أساسيا وهاجسا تتعامل معه القيادة السعودية من منطلق شرف المسؤولية الكاملة عن خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. ومنذ أن تطأ قدما الحاج الأراضي السعودية ومن ثم أداء فريضته تكون سلامته وحمايته حتى عودته إلى بلاده سالما معافى بإذن الله، في قائمة أولويات السلطات الأمنية.
وببساطة شديدة، فإن الخطة الأمنية للحج تتلخص في المحاور التالية:
المحافظة على النظام العام، حماية الأرواح والممتلكات من خلال منع الجريمة وضبطها، المحافظة على الحقوق الخاصة والعامة للحجاج، تنظيم المرور بما يضمن أداء الحجاج فريضتهم ونسكهم بكل يسر وسهولة في إطار المواعيد الزمنية المحددة.
وتعد خطة الطوارئ في الحج إحدى أبرز أساسيات الخطة الأمنية وهي مبنية على الإخلاء بالدرجة الأولى، إذ إن الكثافة السكانية والبشرية داخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تتطلب تنظيما دقيقا لاخلاء الحج من أي مواقع متضررة مع مراعاة المحاذير المصاحبة لذلك، ومن تفادي وقوع حالات تزاحم وتدافع بين الحجاج، ولعل أصعب أمر في عمليات الاخلاء يكمن في سرعة طمأنة الحجاج لتحقيق الاخلاء الآمن.
وإذا كان البعض يرى أن المشاعر المقدسة التي تضم عرفات، منى، مزدلفة تستقطع جزءا كبيرا من الجهود الأمنية، فإن لذلك ما يبرره، فهذه المناطق الثلاث تشهد تجمعا فريدا يقارب عدده أكثر من 3 ملايين شخص في أيام وساعات معدودة، وهو ما يندر أن يحدث في أي بقعة من العالم. لكن ذلك، بالطبع لا يتنافى مع مبدأ شمولية الخطة الأمنية لجميع المناطق في المملكة.
مع نجاح تطبيق منع قرار استخدام الغاز والسوائل النفطية المسالة ضمن المساحة الجغرافية لمنطقة المشاعر (عرفات، ومنى، ومزدلفة) في الحد من انتشار الحرائق. وهو قرار لا يشمل فقط الحجاج بل ينسحب على جميع الوزارات والمصالح الحكومية ومؤسسات الطوافة ومطوفي الحجاج من دول الخليج.
ويجيء مشروع حظر استخدام الغازات البترولية للقضاء على الآثار السلبية التي سببها سوء الاستخدام.
منطقة المشاعر التي تضم منى وعرفة ومزدلفة فيمنع دخول السيارات الصغيرة إليها بحيث يمكن إيجاد تجمع أكبر عدد من الركاب مع بعضهم البعض لخفض أعداد السيارات وتسهيل عمليات الانتقال بين مناطق المشاعر والمعروفة ب»التصعيد والنفرة» والتقليل من الأخطاء المرورية والتخفيف من آثار عادم السيارات المنبعث من احتراق البنزين والديزل.
ولا يقف دور المملكة العربية السعودية في تأمين الحماية والسلامة للحجاج عند هذا الحد، بل يتعداه إلى الدور الإرشادي والتوجيهي في كيفية استفادتهم من الخدمات والمرافق العامة التي سخرت لأجلهم. وتصدر وزارة الحج تعليمات سنوية توضح حقوق وواجبات كل من يرغب في أداء هذه الفريضة، تشمل: التعليمات الخاصة بمواعيد الحصول على التأشيرات والوصول إلى الأراضي السعودية والعودة منها، أجور الخدمات التي تقدمها مؤسسات خدمات الحج. وتبحث وزارة الحج في كل عام مع وفود وبعثات الحج الرسمية الكثير من المسائل المتعلقة بالحج والحجاج، وهنا تشدد السعودية على ضرورة حث البعثات على نشر الوعي بين الحجاج في ما يخص النواحي الدينية والصحية والتنظيمية بحيث يستوفي الحاج بقدر الإمكان شروط الاستطاعة المالية والبدنية، ويعزز انتشار القوات الأمنية المناسب في مواقع الزحام للتحوط المضاد ضد عمليات السرقة والنشل التي يتعرض لها الحجاج، كما أن فعالية شبكة المراقبة التلفزيونية قلصت الكثير من حالات النشل التي تمت بواسطة بعض ضعفاء النفوس ممن قدموا للسعودية تحت ستار أداء فريضة الحج والعمرة. ويتم عادة هنا التنسيق مع الدول عبر التحري عن حجاجها، ومنع الكثير ممن تثبت نيتهم السيئة في الحصول على تأشيرات للحج. فيبقى دور المواطن فهو المسئول الأول في الأمن حيث كان وجوده، سائلين الله التوفيق وقبول العمل لكل حاج ومعتمر.