الكثير من الدول تركز على تنمية المناطق الريفية عن طريق الاهتمام بالزراعة وتربية الحيوان لتحقيق عدة أغراض اقتصادية أهمها: خلق فرص اقتصادية لسكان تلك المناطق، والحد من الهجرة للمدن الكبيرة، والمساهمة في خفض معدلات الفقر والمجاعة ونقص السلع الغذائية. وبالطبع، تلك الدول لا تعاني ثنائية المشكلة لدينا في المملكة المتمثلة في خيار الترجيح بين توفير المياه الجوفية، أو التوسع في الزراعة. ويبدو أن السياسات الزراعية انتصرت للخيار الأول. المحافظة على مخزون المياه على حساب التوسع أو الاستمرار في الإنتاج الزراعي من الحبوب وأهمها القمح، والإبقاء على المنتجات الأخرى من الخضروات والأعلاف. وآخر القرارات في هذا الاتجاه، هو ما صدر عن مجلس الوزراء الأسبوع الماضي من قرار بإيقاف منح الأراضي الزراعية لمدة عشر سنوات قادمة.
في هذه الورقة لسنا بصدد الترجيح بين الخيارات الإستراتيجية. لكن هناك تساؤلات عن نطاق قرار مجلس الوزراء بمنع تخصيص الأراضي الزراعية هل يشمل المخططات الزراعية التي اعتمدت قبل صدوره؟. وهل يشمل الأراضي التي حصل أصحابها على قرارات التخصيص قبل تاريخ صدور القرار ولم يبادروا في إحيائها بعد؟ أم بإمكان هؤلاء التقدم للبنك الزراعي للحصول على قروض لإحيائها.
أيضاً التساؤل يوجه للمختصين، هل مناطق المملكة متماثلة من حيث مخزون الموارد المائية الجوفية وجميعها مهددة بالتناقص وبالتالي تخضع جميعها للسياسات الزراعية؟ أم أن هناك مناطق تتمتع بميزة وفرة الموارد المائية المتجددة. وإذا كان الأمر كذلك.. لماذا تساوي تلك السياسات بين مصالح الشركات العملاقة التي تمتلك آلاف الآبار الإرتوازية العابرة لجوف الأرض، وبين مصالح المزارع الصغير ذي الإمكانيات المتواضعة.
أمام عودة بعض سكان المناطق الريفية لقيمهم القديمة، والعمل بمزارعهم بأنفسهم بعد تقلص فرص الوظائف أمام أبنائهم، نعتقد بأهمية مراجعة السياسات الزراعية لتميل نحو ترجيح مصالح صغار المزارعين على ضوء الإمكانات المتاحة والموارد المائية المتوفرة، وتشجيع استمرار بقائهم في مزارعهم بدلاً من تركها والنزوح إلى المدن الكبيرة بحثاً عن فرص تعليمية ووظيفية أفضل لأبنائهم، أو اللجوء للجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي والاعتماد عليها. طالما لا يشكلون خطراً على المخزون الإستراتيجي من المياه مقارنة بالشركات الزراعية الكبيرة.