ولد محمد زين العيدروس في أواسط الأربعينيات الميلادية للقرن المنصرم في حي كريتر في مدينة عدن لأحد كبار السادة في بلاد اليمن.. وحينما أنهى الثانوية توجه إلى مصر لدراسة علم النفس.. فحصل على شهادة الماجستير فيها في أواسط الستينيات الميلادية.. وفي القاهرة تعرَّف على رفيق عمره - فيما بعد - الزميل أحمد الجار الله الذي كان يعمل محرراً نشطاً في جريدة الرأي العام الكويتية التي كان يملكها آنذاك المرحوم عبد العزيز المساعيد.
وفي تلك الفترة قفز اسم أحمد الجار الله إلى أعلى درجات الشهرة الصحفية.. حينما استطاع أن يجري مقابلة مع الإمام محمد البدر الذي خلعه عن الحكم عبد الله السلال في ثورة عسكرية.. فأخذ يتأبد في الجبال لا يعرف مكانه أحد إلى أن استطاع الجار الله الوصول إليه.. وأجرى معه المقابلة الشهيرة تلك التي رفعت أسهم أحمد الجار الله في عالم الصحافة، أقول: لا أعرف بالضبط كيف التقيا (العيدروس والجار الله) في القاهرة.. ولكن أحمد صحب الزين إلى الكويت ليعمل معه في جريدة الرأي العام.. وحينما خرج الجار الله من الرأي العام ليستقل بإصداره جريدة السياسة خرج محمد زين معه.. وأصبح ساعده الأيمن في التحرير.. وكان لمحمد زين علاقات متينة في الأوساط الفنية والأدبية في مصر.. مما غطى جوانب هامة من الجريدة نتيجة لتلك العلاقات، وهكذا لمع اسم محمد زين في جريدة السياسة التي بقي فيها حتى غيَّبه الموت يوم الخميس الماضي.. أما أنا فقد عرفت الزين في جريدة السياسة في أوائل السبعينيات الميلادية حينما أصبح مديراً للتحرير مع الزميل الراحل قاسم أفيوني الذي غيَّبه الموت قبل سنوات هو الآخر.. وقد كنت حينها أخطو الخطوات الأولى في عالم الكتابة الصحفية.. فاحتضنني الجار الله.. وكذلك الزين الذي كنت أسلمه زاويتي اليومية لنشرها في الصفحة الأخيرة من الجريدة.. وقد وجدت فيه من خلال تعاملي معه كل الطيبة والرقة والأدب والمحبة والتوجيه السديد.. وكان مكتبه المفتوح دوماً سواء أكان غائباً أو حاضراً هو ملجؤنا نحن الكُتّاب القادمين من أطراف الكويت كالجهراء والمنقف والأحمدي.. وكنا ننام فيه وقت القيلولة.. بل نأكل فيه ونشرب ونلتقي مع القراء دون أن يبدي أي ملل أو تضجر لذلك الاحتلال.. لأنه كان يشفق علينا من العودة ثانية للجريدة وقت المساء من مناطقنا البعيدة.. لذلك أصدر الأستاذ الجار الله قراراً بعد رحيله أن يبقى مكتبه مفتوحاً كما كان ووضع صورة الزميل الراحل على ذات الكرسي الذي كان يجلس عليه.. وهذا هو أقل الوفاء لمن ساعده في بناء جريدة السياسة وهو أحد أنواع الوفاء.
وكان محمد زين -رحمه الله- (دنجوان) الصحافة في تلك الفترة لأنه يتميز بقوام رشيق وطويل كعود الحور.. أو الخيزران وكان (لبّاساً) (كشيخاً) لا يلبس إلا أحدث الموديلات الباريسية من القمصان والبدلات وحتى الأحذية -أجلكم الله-.. وكان يقود أفخر وأحدث أنواع السيارات ال(سبور) في تلك الفترة، وكان يحب الحياة بكل ما فيها من بهجة وجمال.. ولم يسكن قلبه الهمّ يوماً.. بل كان (بسّاماً) ضحوكاً جميل المحيا طوال الحياة.
وقد عرفنا من خلاله أشهر نجوم الفن في الوطن العربي الذين لا ينقطعون عن زيارته في المكتب طوال فترة السبعينيات والثمانينيات الميلادية.
أما آخر مكالمة معه فقد كانت لتعزيته برحيل رفيق دربه الآخر في السياسة قاسم أفيوني الذي رحل قبل سنوات قليلة.. وما إن سمع صوتي حتى أجهش بالبكاء فقلت له (ببداوة فظة): (عيب عليك تبكي، الله يأخذك).. وبالفعل ها هو قد أخذه الله.. وسيأخذني الله أيضاً.. ويأخذ كل من على البسيطة حينما يحين الأجل، ألا رحم الله (أبا نوار).. وأسكنه فسيح جناته آمين.