الرفق خلق من الأخلاق الفاضلة النبيلة الذي يتأتى في كل شأن من شؤون الحياة سواء كان ذلك في معاملة المسلم لأهله وأولاده مما ينتج عن ذلك الخلق حصول المحبة والألفة والاستقرار العائلي والنفسي، أو في معاملة المصلح والداعي للخير لمن حوله مما يجعل له القبول والانجذاب لدعوته كما هو فعل الرسول، قال تعالى: ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}‏ أو في معاملة صاحب العمل لمن تحت يده مما يضاعف الإنتاج مع الإخلاص والحب والاحترام والتقدير المتبادل.

أقول: فخلاصة الرفق يكمن في الوصول إلى الحق بأيسر الطرق وأسهلها مع التلطف والتبسم ونبذ العنف والشدة الذي هو ديدن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان أبعد الناس عن الغلظة والشدة، قال تعالى: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال تعالى:{‏وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }‏ وفي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» رواه مسلم وقال: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه» أخرجه البخاري ومسلم، وقال لعائشة رضي الله عنها: «عليك بالرفق، وإياك والعنف، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم في صحيحه باب فضل الرفق، وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أن النبي قال: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» أخرجه مسلم، فكم نحن محتاجون إلى هذا الخلق العظيم وفي هذا اليوم بالذات الذي كثر فيه العنف عند الناس فيما بينهم بل وعلى أقاربهم وكثر فيه الكلام البذيء والسباب وكثر فيه الشقاق والنزاع وتضاءلت السماحة و نسي العفو، سبحان الله!

أخي المبارك: قد تلاحظ من بعض المسؤولين في مكاتبهم انعداماً لليونة مع موظفيهم متناسين أو متجاهلين خلق المسلم مع أخيه المسلم وخلق الرئيس مع مرؤوسيه بل ربما ظنوا ذلك من مصلحة العمل وإجادته وأن السماحة والليونة في ذلك يعد تهاوناً وضعفاً فهل هم أعلم من رسول الله حين كان لطيفاً ليناً سهلاً بأمته، ووافقه ربه وامتدحه على ذلك كما في الآية السابقة؟! وفي نفس الوقت هل يظن عاقل أن اللطف والليونة لا تكون إلا بترك العمل أو التساهل فيه؟! ففرق بين أداء العمل مع اللطافة والليونة وبين أدائه مع الشدة وتعبيس الوجه واحتقار الآخرين، ثم هل تدبر المسؤول أنه برفقه ولينه مع الآخرين يبتعد عن النار ويقترب إلى الجنة بإذن الله كما قال رسول الله: « ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل « رواه عبد الله بن مسعود.

وهل تدبر المسؤول أيضا أنه إذا كان رفيقاً فإن الله سبحانه وتعالى سوف يرفق به يوم القيامة كما روت ذلك عَائِشَةَ رضي الله عنها حيث قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ) (وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً، فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ).أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

ففي هذا الحدِيثُ دلِيل عَلى أَنه يجِب على الوالِي تَيْسِير الأمور على من وليهم، والرفق بهم، ومعاملتهم بالعفو والصفح وإيثار الرخصة على العزيمة في حقّهم؛ لئلا يدخل عَليهِم المشقة، وَيفعل بهم ما يحِب أن يفعل به الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله معلقاً - «وهذا ظاهر في الاعتبار، فإن الخلق عباد الله، والولاة نواب الله على عباده، وهم وكلاء العباد على نفوسهم، ففيهم معنى الولاية والوكالة، كما قال رسول الله: «إني -والله- لا أعطي أحداً، ولا أمنع أحداً، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت» رواه البخاري.

وهذا في الولايات عموماً كبيرها وصغيرها فالرجل مع أهله وولده ومدير المدرسة مع معلميه وطلابه ونحو ذلك إلى ما هو أكبر.

فالرفق عام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرفق الناس وألينهم.

فقد أتى إليه إعرابي، وطلب منه عطاءً، وأغلظ له في القول، فتبسم النبي في وجهه، ثم أعطاه حمولة جملين من الطعام والشراب، وكان الرسول يلاعب الحسن والحسين ويقبُّلهما، ويحملهما على كتفه.

وتقول عائشة -رضي الله عنها- عن رفق النبي فتقول: ما خُيرَ رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنْتَهَك حرمة الله؛ فينتقم لله -تعالى-.

*البخاري أيها الابن المبارك ارفق بوالديك وقدم لهما البر والإحسان فهم أقرب الناس إليك فلا تعاملهم بقسوة وتذكر أمر الله لك ببرهما وتذكر رفقهما بك فقد قال الله تعالى: ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا‏}‏ وارفق كذلك بإخوانك وأخواتك وبأرحامك فهم أولى بإحسانك أيها الأخ المبارك: إن غاية الرفق بالناس أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه، وتذكّرهم به إذا نسوه، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ذاكراً لمقولة الحكيم لابنه: يابني إن الرفق شيء هين وجه طليق ولسان لين.

وبذلك تتحقق وحدة المسلمين، فيصبحوا كالجسد الواحد: ( إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.