جدة - صالح الخزمري
بجملة من المفردات الممتلئة بالإضاءة المعرفية، وشيء من القواعد المتكئة على الخبرة العميقة في قراءة الرواية استطاع أستاذ الأدب والنقد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني بالمغرب الدكتور شعيب حليفي أن يجمع حوله شمل المتذوقين لقراءة الرواية، وأن يعطي درسًا نموذجيًا للقراءة الحديثة برؤية مغايرة، وعلى وتيرة حماس متجانس للالتحام مع الراوي من خلال قراءته لرواية «امرأة النسيان» للروائي المغربي محمد برادة؛ معتبرًا أن النص هو طِرس يغير من دلالاته باستمرار حتى يحيا على الدوام.
وأكد الدكتور شعيب - الذي كان يتحدث في محاضرته «كيف نقرأ الرواية» في نادي الأحساء الأدبي بحضور نخبة ثقافية وأساتذة جامعات ونقاد وقدمها الناقد محمد الحرز- أن قراءة الرواية موهبة لاتقل عن الكتابة الإبداعية، بل هي صراع للعلامات والرموز، وشبهها بعراك جولات مفتوحة.
ولم يخفِ الدكتور قدرة الرواية على خداع الناقد وعدته -من خلال دلالاتها وتقنياتها- إذا كان النص قويًا ومحبوكًا، وقد يستسلم للظاهر ويدخل في النفق الخادع، كما يجب على الباحث أو الناقد ألا تساوره ذرة من الشك في الإبداع الإنساني، معتبرًا أن كل النصوص التي تحكمها جمالية عالية لاتسلم نفسها بسهولة للقارئ، كما أن القراءة عرفت تحولاً ملموسًا منذُ أواسط الستينيات، مشيرًا إلى أن النص الحداثي مكتوب بالدرجة الأولى للصفوة.
وأشار الدكتور شعيب إلى أن بعض النقاد يكتبون نصوصًا سرية ويخشون الإفصاح عنها وعن مضامينها لقرائهم خشية أن يعتبروها نشازًا عن كتاباتهم؛ ولأن كل القراء الذين يتعاملون مع النقاد يصبحون جزءًا من أفق انتظارهم.
وتساءل الدكتور شعيب: كيف يمكن أن نقرأ الرواية؟ وكيف يقرأ كل واحد منا خطابًا ما أو نصًا روائيًا؟، وهل يمكن أن نختلف اختلافًا جذريًا حول أي نص أو خطاب؟ أم أن نظامًا سحريًا ثقافيًا يحدد ويصوغ ذوقنا الجماعي وبالتالي نحكم فيما يتعلق بالجميل وبالجمال في النصوص التي نقرؤها ونتعامل معها، وهي نصوص غائصة في التاريخ ولكنها متجددة الحياة والحضور من خلال القراءة، مستشهدًا على ذلك «بنصوص امرؤ القيس وشكسبير وألف ليلة وليلة» وغيرها من النصوص التي تحضر بقراءة متجددة تكاد تشكل مدونة لقراءة نص واحد عبر مئات السنين؛ مشيرًا إلى أن قراءة النصوص لاتتحقق إلا من خلال الامتلاء بقراءات نصية وأخرى رافدة بالنوع الأدبي وبغيره. وخلال قراءته لرواية «امرأة النسيان» قال الدكتور شعيب: إنها نص لتمجيد الفن وانتشال الحياة من الرتابات الفاسدة ومن الانحرافات الرخيصة، وهي نص مستدرك ينفتح على نص سابق، يلتقط منه نطفة وخميرة ليستدرك بها بياضات في حياة رواية «لعبة النسيان» وإشباع لحظة منفلتة وضاجة، حيث يستحضر الراوي في بداية روايته حواراً قاسيًا على لسان «سالومي وهي تخاطب رأس يوحنا».
وقال الناقد محمد العباس معلقًا « لقد استطاع الدكتور شعيب من خلال قراءته لرواية محمد برادة أن يحرك آلة النص الكسولة بزيت المعارف والجماليات لأنه قارئ فطن وذكي واستطاع كذلك أن ينقلنا في تفاصيل النص من زاوية إلى أخرى، وفعل الذائقة المركبة من المعرفة والحساسية الجمالية والخبرة والذاكرة، واستطاع أن يأخذ بنا إلى ما وراء الحكاية، ويكتشف ما بين السطور، وشاهدناه يقرأ بالعين الثالثة وبكافة الحواس، وكان يقرأ برحابة وباتساع وبجمالية مفرطة ليمدد النص على مستوى القراءة والكتابة.