في صباح هذا اليوم المبارك يتحرك ملايين الحجاج من مِنى إلى عرفات، وسيتوجهون في المساء نحو مزدلفة ثم يعودون مع طلوع الفجر إلى خيامهم في منى لإكمال مناسك الحج. وقبل ذلك وبعده يُقيمون في أقرب مكان للحرم تسمح به ظروفهم من أجل الطواف والسعي وعبادة الله. في هذه الشعائر يتساوى المُسلمون، الحاضر والباد، والغني والفقير، في حق استعمال هذه الأماكن المُقدسة بما في ذلك حق المبيت في منى والوقوف في عرفة والمبيت في مزدلفة. ورغم أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء الملايين يحصلون بصعوبة على موطء قدم يُمضون فيه الساعات بمشقة كبيرة، إلا أن هناك أيضاً فنادق ومُخيمات توفر مساحات واسعة لمن يستطيع دفع تكاليف إيجاراتها المُرتفعة. في ضوء هذه الحقائق يثور تساؤل عن مدى أهمية تحديد الجهات الحكومية ذات العلاقة حدوداً قصوى لمعايير الإيواء في الأماكن المُقدسة ترسم مثلاً الحد الأقصى لحجم الغرف وتمنع ما يُعرف بالأجنحة الفاخرة ذات المساحات الكبيرة التي تكون بالضرورة على حساب مساحات يمكن أن يستفيد منها مسلمون آخرون. وكذلك الشأن في مخيمات الحجاج في منى وعرفات. أعتقد أن الحاجة إلى رسم الحدود العليا لهذه المرافق لا تقل أهمية عن تحديد الحد الأدنى لجودة الخدمة، لأن أي مساحة إضافية يشغلها حاج أو مُعتمر وتتجاوز حاجة الرجل العادي، إنما تكون على حساب حاج أو مُعتمر آخر له نفس الحق في تلك الأماكن المُقدسة وعليه نفس الواجب في أداء فريضة الحج. ولا يُمكن الاحتجاج في هذا السياق بالتفضيل الرباني للبعض على غيرهم في درجة الغنى أو الجاه، لأن هذه الأماكن مُشاعة المُلكية ومحدودة المساحة مقارنة بالعدد الهائل من المسلمين الذين أوجب الله عليهم حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. ولا يُمكن أيضاً الاستناد إلى الحديث الشريف: «ذهب أهل الدثور بالأجور»، لأن الأجر في الحج والعمرة لا يزيد وفقاً للمساحة التي يشتري منفعتها (يستأجرها) الحاج أو المُعتمر. وفي موضوع ذي صلة، يُلاحظ أن المحلات التجارية المُجاورة للحرم تكاد تقتصر على خدمة الأغنياء، أما فقراء الحجيج والمعتمرين، وهم النسبة العظمى، فليس لهم فيها نصيب، وقد يضطرون مثلاً للمشي مسافات بعيدة للحصول على لقمة معتدلة السعر. أعتقد أن لتلك المحلات التجارية خصوصية تقتضي التفكير أيضاً في إخضاعها لمعايير غير تقليدية، مثل منع الترخيص للمطاعم الفاخرة والمقاهي الترفيهية ومحلات الماركات الثمينة في العقارات القريبة من الحرم، لكي تحل محلها المحلات الموجهة للسواد الأعظم. فالمساحات محدودة وضيوف الرحمن ليسوا سياحاً.