أنقل من جريدة الرياض 4-12-1431هـ, ص 16: (وأوضح الدكتور الصفيان استشاري زراعة الأعضاء في مستشفى الملك فيصل التخصصي أن آخر الإحصائيات تشير إلى أن أكثر المتبرعين بالأعضاء للأطفال هم الأمهات). انتهى
التوضيح أعلاه جاء ضمن خبر أوردته جريدة الرياض عن نجاح زراعة كبد لطفل رضيع اسمه محمد تبرعت له والدته بربع كبدها قبل أيام قليلة بعد أن أصاب التليف الكامل كبد طفلها وأشرف على الرحيل. إذاً هذه أم تبرعت بفلذة من كبدها لطفلها، وقبلها تبرعت أخريات بأعضائهن لأمهاتهن وآبائهن ولأزواجهن، وليس فوق التبرع بقطعة من الجسد الحي تبرعاً يرفع الرأس إليه أو يشار إليه بالبنان.
أعود إلى ابن الوطن الاستشاري في زراعة الأعضاء الدكتور محمد الصفيان وأذكر بتصريحه بأن أكثر المتبرعين بالأعضاء للأطفال هم الأمهات وليس الآباء.
في المجالات الإنسانية المصيرية اليومية (وليس التاريخية) وعلى مستوى العالم كله تتضاءل تضحيات الرجال مقارنة بتضحيات النساء، بدءاً من الحمل والولادة والرضاعة عبر الرعاية والسهر والشقاء الجسدي والمعنوي في غياب الأب أو تنصله من المسؤولية وصولاً إلى الاستعداد للتبرع بجزء من الكبد مثلما أكد الدكتور الصفيان استناداً على أحدث الإحصائيات العالمية. تضحية الرجل تكون عادة وعلى مر التاريخ البشري كله إما بالمال المكتسب، وهذا ما لا تملكه المرأة لأن الرجل يصدها عنه ويحتكره لنفسه، أو بالنفس في العراك والقتال، وهذا ما لا تفهمه فطرة المرأة لأنها تتشبث بالحياة التي ينبتها الله في رحمها ويكلفها برعايتها حتى تستقيم. إذا مات رجل عن امرأة في بطنها نطفة منه تستمر الحياة حاملة معها الكثير أو القليل من صفات ذلك الرجل، أما إذا ماتت المرأة ماتت معها النطفة وانتهى الأمر بالنسبة للجميع.
بهذه النظرة أعتقد أن التاريخ رجل بكل ما فيه من معارك ودماء وأشلاء وممالك تسود ثم تفنى، أما الإنسانية فهي امرأة بكل ما فيها من حنان وسهر وعناء وحزن ودعاء وتشبث بالبقاء على قيد الحياة. المرأة الجائعة التي تمضغ اللقمة ثم تخرجها من فمها لتضعها في فم طفلها أكثر فهماً للحياة وأشد استحقاقاً لها من الرجل الذي يملأ بطنه وبطون ضيوفه أولاً ثم يترك الفتات لأهل الدار إن بقي شيء من الفتات.
ما ضيَّق مجتمع على نسائه في وسائل الكسب الشريف في المجتمع المفتوح إلا وفقد شيئاً من إنسانيته وضيَّق من فرصه في الحياة.
في الختام: عيدكم وعيد محمد ووالدته الشجاعة مبارك وسعيد إن شاء الله.