إن المتابع لتطورات القضية الفلسطينية، يدرك مدى أهمية الحراك السياسي الفلسطيني الذي لا يكاد يهدأ حتى يبدأ من جديد تلك ميزة القضية الفلسطينية منذ أن أوصلها كفاح الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما وصلت إليه من مكانة عربية ودولية تعني جميع دول العالم وفي مقدمتها الدول الصناعية من اليابان إلى الولايات المتحدة مروراً بجميع الدول صغيرها وكبيرها، فما إن ينتهي الرئيس الفلسطيني من جولة عربية حتى يبدأ جولة دولية وهكذا دواليك، ورئيس وزرائه أيضا في نشاط دؤوب لا يكل ولا يمل من التحرك من هذه المدينة إلى تلك ومن قرية إلى أخرى في مناطق السلطة الوطنية يشرف بنفسه على إنجازات وزارته المختلفة، كما تستقبل فلسطين يومياً بعثة وراء أخرى من مستويات مدنية إلى مستويات دبلوماسية ووزارية ورئاسية، والمعارضة الفلسطينية أيضا تراقب كل هذه التحركات وتنشط هي الأخرى وفي أحايين كثيرة مذهولة من هذا الحراك وسرعته وإيقاعه ومشككة أحياناً في جديته وفي مراميه ومقاصده، للأسف يبدو دورها في كثير من الأحيان قد تجاوز مفهوم المعارضة التي توجد لدى أي نظام حتى من نظم دول العالم الثالث فهي مشككة ومخذلة بدلا من أن تكون مراقبة وداعمة ومقومة وموجهة، فلا يوجد لديها سوى التشكيك في هذا الحراك أو وصفه بالخياني أو العبثي، ليس صحيحاً أن هذا الحراك الذي يقوده الرئسي الفلسطيني على المستوى العربي والدولي حراك عبثي أو في محل شك إنه في صالح الشعب الفلسطيني ويخدم قضيته بالصورة المثلى الممكنة أو حراك رئيس وزرائه الداخلية حراك عبثي ولا يخدم إلا الاحتلال حسب إدعاءات المعارضين له والمشككين به لقد أجمع المراقبون والزائرون لمناطق السلطة الوطنية خلال الصيف المنصرم أن هناك نتيجة وثمرة على الأرض الفلسطينية لهذا الحراك مفادها أن هناك شعباً صامداً مقبلاً على الحياة ويعمل ويبني بجد لبنات مستقبله وهويته ولا يتوانى عن تجسيد هذه الأحلام بمدرسة هنا أو مشفى هناك وطريق هنا وبئر هناك ...إلخ، من البنى التحية التي تعزز من صمود الشعب الفلسطيني وتؤسس لمرحلة ما بعد إنهاء الاحتلال وبناء مؤسسات الدولة وانتزاع الاستقلال الوطني وفرضه على أرض الواقع شاء العدو أم لم يشأ، لذلك هذا الحراك الفلسطيني يحتاج كي يعطي ثماره الناضجة إلى مجموعة من الضرورات تتمثل فيما يلي:
أولاً : توفير الدعم الفلسطيني من خلال إنهاء حالة الانقسام التي فرضتها قوى لم تدرك بعد معنى الوطنية الفلسطينية ولا معنى الوحدة الوطنية وضروراتها لإنجاز هدف التحرر الوطني، فأخذت القضية باتجاه أوهامها العدمية وفضاءاتها غير الواقعية وقد سقطت بالتالي في شباك قوى الاستقطاب الإقليمي والدولي التي لا يهمها من القضية الفلسطينية سوى توظيفها لمصالحها الخاصة سواء كانت هذه القوى دولا أو أحزابا غطت أهدافها ونواياها بالأيديولوجيا الفوق وطنية وسقطت أيضا في شباك مخططات العدو نفسه للأسف.
ثانياً : توفير وحدة الموقف العربي من القضية الفلسطينية ومن إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي والقيام بما يتوجب عليه من دعم مادي وسياسي فعال على كل الصعد حيث لا مجال للموافق العبثية المزاودة على وطنية الشعب الفلسطيني وعلى وطنية قيادته الوطنية التي أثبت تاريخ إدارتها للصراع مدى جديتها وإخلاصها وتمثيلها لشعبها في تماهيها مع تطلعاته الوطنية وتمسكها بثوابته وقدرتها على السير بين حقول الألغام وصولا إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
ثالثاً : الموقف الدولي الذي يجب أن يتخلى عن سياسة الكيل بمكيالين وأن يلتزم مبادئ الشرعية الدولية وقراراته في صياغة موقفه من القضية الفلسطينية ومن الصراع العربي الإسرائيلي بمجمله، وأن لا يكون انتقائياً بل عليه أن يمأسس موقفه على أساس المصلحة الدولية المرتبطة أصلاً وأساساً مع المصالح العربية دولاً وشعوباً، لا مع أدعياء الخرافات والأساطير والأوهام التي لم تجلب لهم وللمنطقة سوى الحروب والدمار وعليه أن يضع حداً لتلك الأوهام التي تبشر باستمرار حالة العنف الدامي والذي لن تقتصر حدوده على فلسطين والمنطقة العربية فقط بل يسعى جاهداً إلى تجاوز هذه الحدود، فالأمن والسلام الدوليان الذي يهددهما هذا الصراع يقتضي تفعيل الشرعية الدولية بكل مضامينها وأبعادها لأجل فرض مفاوضات جادة وغير عبثية تؤدي في النهاية إلى إنهاء حالة العنف والدمار وتعيد للشعب الفلسطيني حقوقه وكرامته المهدورة، وعند ذلك فقط يمكن للشعب الفلسطيني أن يقرر مصيره ويقيم دولته الفلسطينية التي أصبحت حلم كل فلسطيني في الوطن أو في الشتات وعندها أيضا تشهد المنطقة، سلاما تستثمره من أجل رفاه شعوبها وتتحقق فيه مصالح جميع الدول صاحبة المصالح الحيوية في المنطقة العربية وهذا ما يستهدفه هذا الحراك الفلسطيني بلا أدنى شك سواء على مستوى تحركاته الداخلية أو على مستوى اتصالاته وتحركاته العربية والدولية ولن يتوقف هذا الحراك دون تحقيق هذا الهدف السامي للشعب الفلسطيني.
عضو المجلس الوطني الفلسطيني، مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية
E-mail:pcommety@hotmail.com