إنه اليوم الذي وصف بأنه يوم الحج.. يوم يفْضل الأيام على مدار العام.. يوم يقف فيه ضيوف الرحمن على صعيد عرفات الطاهر؛ حيث يرفعون أكف الضراعة إلى خالقهم وموجدهم من العدم في مشهد رائع وفي صورة لا كالصور حيث يرتدي الحجاج لباس الإحرام في انقطاع عن الدنيا الفانية ورغبة أكيدة لما عند الله من الفضل والعطايا في ذلك اليوم تتحلى الوحدة الإسلامية السامية وحدة يحيطها ويغلفها الخشوع والتذلل لرب العالمين.
في ذلك الموقف العظيم تتجلى وحدة المسلمين الذين يدينون بدين الإسلام ذلك الدين الخالد إلى قيام الساعة، دين المحبة والألفة والرحمة واجتماع الكلمة، دين السمو بالنفس البشرية فوق الأغراض الدنية.
في ذلك الموقف العظيم الناس كلهم سواسية أمام الرب الكريم لا فرق بين غنيهم وفقيرهم وسيدهم ومسودهم وأبيضهم وأسودهم إلا بالتقوى التي يكون مكانها القلب ويعلمها رب العباد.
في ذلك الموقف العظيم تتجلى أروع المواقف في استعادة الذاكرة لتلك الحجة التي حجها رسولنا الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام وصحبه الكرام؛ حيث وضع الأسس وأكد على أن دين الإسلام هو الدين الكامل الشامل وتصديق ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}.
بذلك كَمُلَتْ النعمة وتمت الملة وأعلنها محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في صعيد عرفات الطاهر بأن دين الإسلام هكذا هو كما في كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام ولن يكون سوى ذلك.
حيث يقف ضيوف الرحمن على صعيد عرفات الطاهر يجدد منهم ذلك الموقف كل المعاني الكريمة التي أعلنها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام في خطبته المشهودة، بخطبة حجة الوداع فيكونون أكثر وحدة وأكثر قوة.
في ذلك الموقف العظيم يتذكر العالم أجمع أن دين الإسلام هو الدين الوسط، الدين العدل، الدين الذي يرفض ويمقت كل أصناف الظلم والقهر والعنصرية البغيضة والإرهاب ذاك الداء الخطير الذي اكتوت بناره أجزاء من العالم ولم تزل.
في ذلك الموقف العظيم يقول المسلمون هذا ديننا الحق فلا تخشونا أيها العالم وانظروا بقلوبكم إلى هذه الصورة التي نحن عليها فتدركون أننا مسالمون نمد يدنا لنصافح الجميع بدون استثناء هكذا كنا وهكذا كانت حالنا في صدر الإسلام الأول فرسولنا وصحابته الميامين هم قدوتنا فاقرأوا تاريخهم المشرق.
وحيث احتوى ذلك اليوم على كل هذه المعاني العالية والمكانة الرفيعة من بين أيام عشر ذي الحجة فقد شُرع لغير الحجاج صيام ذلك اليوم لما يترتب عليه من الفضل العظيم كما جاء عن المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
حقاً فهو اليوم المشهود يوم تتجلى معالم التوحيد الخالص لرب العباد في ذلك اليوم المبارك. ليحظى منا ذلك اليوم بالاهتمام والعناية ونحرص فيه على أن نكون أكثر قربا من ربنا وخالقنا وموجدنا من العدم فذلك يوم يفيض الرب جل وعلا على عباده الرحمات ويهبهم كثيرا من عطاياه الجزيلة كيف لا وهم ضيوفه ووفوده. فأكرم بها من ضيافة ووفادة على رب كريم رحمان رحيم.
* مدير المعهد العلمي في محافظة الرس جامعة الإمام