خلال عام كامل كانت مقالات المنشود تحمل هموماً وطنية، وتناقش موضوعات ساخنة وتنقل مواقف إنسانية عدا عن مقالات التوعية والتثقيف العام.
وقد يكون من المناسب في أيام إجازة العيد أن يعرض لكم المنشود شيئاً من الحكمة والآداب التي تزخر بها كتب التاريخ والتراث والأدب, وبعض عنوان المقال جزء من كتاب (المنتقى الثمين من أدب الدنيا والدين) للشيخ أبي الحسن علي بن محمد الماوردي، وهو من أجمل كتب الأدب حيث ضمنه فضل العقل وذم الهوى، وأدب الدين والدنيا والعلم، وأدب النفس. ووزعها على فصول وفروع في غاية الجمال. والحق أنه ينبغي على كل شخص الاطلاع على هذا الكتاب لما يحمله من فنون مختلفة مطرزة بأمثال الحكماء وآداب البلغاء وأجمل ما قاله الشعراء فضلاً عن الفوائد العامة.
قالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الإحْسَانُ رِقٌّ، وَالْمُكَافَأَةُ عِتْقٌ. ومَنْعُ الْجَمِيعِ إرْضَاء لِلْجَمِيعِ. وقَالَ بليغ: الْمَخْذُولُ مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللِّئَامِ حَاجَةٌ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي أَمْثَالِهَا: الْمَطْلُ أَحَدُ الْمَنْعَيْنِ، وَالْيَأْسُ أَحَدُ النَّجَحَيْنِ. والْجُودُ حَارِسُ الأعْرَاضِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ عن تربية الأبناء: ابْنُك رَيْحَانُتك سَبْعًا، وخَادِمُك سَبْعًا وَوَزِيرُك سَبْعًا، ثُمَّ هُوَ صِدِّيقٌ أَوْ عَدُوٌّ.
قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: أَصْلُ الْعِلْمِ الرَّغْبَةُ وَثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ، وَأَصْلُ الزُّهْدِ الرَّهْبَةُ وَثَمَرَتُهُ الْعِبَادَةُ. َوإِذَا اقْتَرَنَ الزُّهْدُ وَالْعِلْمُ فَقَدْ تَمَّتْ السَّعَادَةُ وَعَمَّتْ الْفَضِيلَةُ. وقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقْمَعُهُ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ لاَ يَنْفَعُهُ.
يقول أحد الشعراء في العلم وفضله:
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لأهْلِهِ
فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنْ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ
فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
يسخر صالح بن عبد القدوس بمن لا يجد ما يفخر به إلا المال:
لاَ خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ خَيْرُ ثَنَائِهِ
فِي النَّاسِ قَوْلَهُمْ غَنِيٌّ وَاجِدُ
أما عن فائدة التجارب فيقول شاعر مغمور:
إذَا لَمْ يَكُنْ مَرُّ السِّنِينَ مُتَرْجِمًا
عَنْ الْفَضْلِ فِي الإنسان سَمَّيْته طِفْلاَ
وَمَا تَنْفَعُ الأيام حِينَ تعُدُّهَا
وَلَمْ تسْتَفِدْ فِيهِنَّ عِلْمًا وَلاَ فَضْلاَ!
وهذا ابن العميد يطلق أفضل حكمة حول راحة البال:
مَنْ شَاءَ عَيْشًا هَنِيئًا يَسْتَفِيدُ بِهِ
فِي دِينِهِ ثُمَّ فِي دُنْيَاهُ إقْبَالا
فَلْيَنْظُرَنَّ إلَى مَنْ فَوْقَهُ أَدَبًا
وَلْيَنْظُرَنَّ إلَى مَنْ دُونَهُ مَالا
وأبو تمام الشاعر المشهور ينهى عن المدح والذم دون تجربة بقوله:
لاَ تَحْمَدَنَّ امْرَأً حَتَّى تُجَرِّبَهُ
وَلاَ تَذُمَّنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيبِ
فَحَمْدُك الْمَرْءَ مَا لَمْ تُبْلِهِ خَطَأٌ
وَذَمُّهُ بَعْدَ حَمْدٍ شَرُّ تَكْذِيبِ
الشاعر منصور النمري يطالبك بعدم معاتبة من يتجاهلك بعكس النظريات الحديثة:
أَقْلِلْ عِتَابَ مَنْ اسْتَرَبْت بِوُدِّهِ
لَيْسَتْ تُنَالُ مَوَدَّةٌ بِعِتَابِ
وليس أسوأ من الظلم ولا أشد منه حيث يقول أبو العتاهية:
أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ
وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي
وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْمَعَادِ إنْ الْتَقَيْنَا
غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
أما أبو الأسود الدؤلي فهو يميل للسلم والصفح بقوله:
وَكُنْ مَعْدِنًا لِلْخَيْرِ وَاصْفَحْ عَنْ الأذَى
فَإِنَّك رَاءٍ مَا عَلِمْت وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إذَا أَحْبَبْت حُبًّا مُقَارِبًا
فَإِنَّك لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ
وأَبْغِضْ إذَا أَبْغَضْت غَيْرَ مُبَايِنٍ
فَإِنَّك لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاجِعُ
يقول أبو الطيب يصف الأوضاع وكأنه يقصد الفساد الذي يراه فيتعبه ولا يقدر على إصلاحه:
كُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَك رَائِدًا
لِقَلْبِك يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الَّذِي لاَ كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ
وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
والمنشود إذ يهنئ المسلمين بعيد الأضحى؛ فإنه يرجو للحجاج القبول والعودة سالمين لبلادهم وأحبائهم.