- كل شيء تغير - في رأينا -!!! تغير بأي اتجاه؟؟؟ جدل لا يفضي بنا إلى شيء... حوار ينتهي بالتلاسن... وربما تكون للأحذية لغتها...
- لم يتغير شيء...!!! نعم...!! كل الأشياء تغيرت ولبست بل وأُلبست من الألوان والأصباغ ما أفقدنا القدرة على تمييز الأمور... تعريف التغير الذي طرأ مظهري... شكلي.. جوهري!!! لم ندرك بعد مضمونها وشكلها وصورتها...!!!
- اندفع إلى الواجهة من كان يتوارى... من كانت مؤخرة الركب مسكنه... لأنه يعرف أن ليس له (مسواط) يسوط ويخوض به لكنه ملك مسواطاً وملاّسة... وقد بحث عنها أو هي من بحثت عنه وأخذت بيده فعكر الصفو وذهب الصافي فجاء بالخيبات والمخيبات الإضافية... لينبت نبتة جديدة وفي بيدر جديد هو أيضاً... فكيف تكون الغلة إن كانت البذرة (دقسه)؟
- مساحة الحياة بدت تضيق.... قد كانت ضيقة... لكنها في يومنا بدت أكثر اختناقاً... أكثر خنقاً. لا شيء يا صاحبي بقي على حاله... والحال لم تعد هي الحال... تنحاز الأمور إلى زاوية حادة... والمشاهد تُزاح نحو فصل من الاعتلال... التباكي على الوجدان... والهذيان على أمس قد رحل... وترك لنا رائحته...
- لم تعد المساحات تتسع ولا الأمكنة تفي للمطارح ولا المحارم تكفي لتمتص الوشل. لا نوافذ للبكاء ولا بُرج يصعد منها النوح... ولا أنفاس المتأوهين تخرج من الصناديق المغلقة... ما بقي في الذاكرة متسع لمزيد من الاختناق المؤجل...
- في صباحك لم تعد ذلك المنشرح الخاطر، ولم يعد لديك قدرة على امتصاص تلك المشاهد المؤرقة... الدمعة أصبحت رخيصة... والهم تكتنزه القلوب وقد فاضت... وصور المشاهد الجريحة لا تقوى على مشاهدتها العين...
- لم تعد القلوب ينابيع تتدفق مشاعر وأحاسيس... ولا المساحات الخضراء تعني نقاء الفضاء وفضيلته. لم تعد العصافير تغرد على أغصان قلبك... إنها تثير فيه الشجن والوجع... وتزيد الإحباط إحباطاً. النوافذ لا تطل بك على الفضاء الذي عهدته بل تجعلك الجدران الصماء أسير نفسك... إنك تُزعج الجيران فيما اعتدت عليه من بواكير شبابك أن تدق (النجر) فجراً فأنت مزعج ويجب عليك أن تتوقف عن ممارسة هوايتك المزعجة في نظرهم وإلا التعهد والبصمة مآل نجرك ويدك...
- عهدك قديم بنديمك... ليس له ندماء اليوم وليس من يطرب لصوت الداعي القادم مع تباشير الصبح فالنوم أثمن من دعوة تأتيهم قبل أن تنشر الشمس جدائلها... الدعوة لا تأتيهم إلا برسالة من جوال وما عهدوا غيرها... وعهدك أنت أن النجر وحده من يدعو وعهدك قديم... قديم... يا صاحبي العلب الأسمنتية التي تسمى (منازل) قضت على تلك الوشائج التي عرفتها، وصارت الجدران عوازل وحواجز والنوافذ يجب أن تحجب لمسببات، وقد حجبت عنك الضوء والهواء وزقزقة عصافير الفجر... عهدك قديم... أنت في الألفية... فيما أنت تظن بأنك تعيش في تلك الحقبة... قد ذهبت جيرة (منفية) والنوافذ لم تعد للإشراق ومرور الهواء النقي.
- الحياة الجديدة كشّرت عن أنيابها وأتت بصور ومشاهد لم تعهدها أنت ولا أنا... عصية أن تُفهم.... تريد أن تضحك من قلبك... هيهات هيهات... قد ولى زمنها وزمانها... نضحك للدراهم والمراهم والمصلحة لا غير.
- النقاء الذي عهدته قد غاب... إنه زمن التهكم والسخرية... تبادل المصالح تفوّق على تبادل المشاعر، وأصبح الأخير معدوماً حين قطعت المادة كل خيط رفيع كنا نُقرّ ونؤمن بوجوده. أصبح يطلق عليه اليوم (استغفال)...
- لم يعد بإمكانك أن تميز بين القمح و(الدقسه)... والذرة من الشعير... قد تشابهت... كلها تحولت إلى علف ارتفع ثمنه فيما قل نفعه ومنفعته.
- تشابهت الغلة على الحصادين فرخص القمح وزاد سعر الشعير أضعاف القمح ومشتقاته. ومع الأسف تهيأنا لأن نحول بيادرنا إلى حقول لزراعة ما قلّ نفعه وزاد من تخمة جيوبنا... وضاقت بهم مجالسنا... ونسينا شكل ولون وطعم القمح... تلك هي المسألة... ماذا تنتظر بعد؟؟؟
- من يقول تغير إلى الأفضل... هذا رأيه... إذن... فتش داخلك وتفحص الأشياء... دقق في كل ما تراه... التطويح باليد إشارة... عوضا عن طرح السلام باللسان... بل إن طرح السلام أصبح عبئاً ونهجاً لا يتلاءم مع العصر... بل هناك من يرى أنها ثقيلة ولا تصلح في زمن العولمة فيما كنت أنت تطرحها وتبثها وتجد صداها الطيب الحسن في الشارع والمضافات والأماكن العامة والأرض خصبة تخضرها قلوب من هم مثلك... الدفء الذي لبسناه استبدلناه بالكيروسين والمدافئ الكهربائية... تدفئنا لكنها تحرق جيوبنا وتسرق من معاشنا ما يرهق كواهلنا... الحياء غادر والخجل ما عاد له شأن وأنت تمر راجلاً أو راكباً وأصوات النشاز تزور آذانك عنوة من نوافذ السيارات... دون أن تستأذنك... تقف مشدوهاً... تكتم كل شيء بنفسك... لا تقوى على فعل أي شيء...
- تغيرنا... نعم... لكن إلى أين؟؟؟ ومركبنا يأخذ منحى آخر يشعرنا بالألم... بالوجع... كل الأمور تعقدت حتى بين أفراد الأسرة الواحدة... زيارات إلا بمواعيد محددة... فإن أخلّيت وجئت في غير موعدك فلا أهلاً ولا مرحباً بك...
- القادم موجع... ومساحة الألم فينا ما عادت قادرة على تحمل مزيد من الألم والوجع والكي، والأنفس ما عادت قادرة على إطلاق الآهات... بقي شيء واحد أرجو ألا يتغير أيضا... وهو تشييع جنازة الميت التي ما زلنا نجتمع ونلتقي عندها في مظهر يشيع في الأنفس الطمأنينة والارتياح... لكنني أخشى أن يأتي يوم وتذوب هذه الوشائج ولا نلتقي حتى في المآتم... ونتحسر على كل شيء... كل شيء... وحتى الغلة والبيدر التي أوجعنا أن تكون منبتا لكل نبات وبذرة غريبة تتغير حينها نبحث عنها وعن (الدقسه) وما شابهها وبالسعر الأغلى ولا نجدها!!!! إننا تغيرنا ولكن!!!!! هذه الغلّة وهذا البيدر.