يبدو أنّ المعتقلين البريطانيين هم الأوفر حظاً بين معتقلي سجن غوانتانامو الذين عادوا إلى بلدانهم، ومع أنّ كلّ محاولات الترهيب والتعذيب المبتكرة عجزت من أن تحصل على اعتراف يدينهم، ومع أنّ إبعادهم بدون محاكمة يدلُّ على أنهم أبرياء! فقد تناقلت وسائل الإعلام أنّ عشرة معتقلين بريطانيين كانوا يقبعون في سجن غوانتانامو، سيحصلون على تعويضات من الحكومة البريطانية تقدَّر بعدّة ملايين من الجنيهات جاءت بمثابة تسوية، لأنّ المعتقلين يتّهمون قوات الأمن البريطانية بأنها تواطأت مع قوات أمن أجنبية مارست التعذيب معهم قبل نقلهم إلى معتقل غوانتانامو، وأنّ الاستخبارات البريطانية كانت تعلم بأنهم كانوا يتعرّضون للتعذيب القاسي، بما في ذلك الإيهام بالغرق في معتقل غوانتانامو، ولم تفعل من أجلهم شيئاً! إنّ أول شيء تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ الخبر والتعويضات (التسوية) التي درأت بها الحكومة هناك مشكلة أكبر قد تواجهها، فقد تبادر إلى ذهني أنّ هذا الإجراء البريطاني الرسمي هو في حقيقة الأمر (إدانة) للسلطات الأمريكية وممارستها غير القانونية تجاه المعتقلين، وإلاّ لماذا يتم تعويض سجين إذا لم تكن الحكومة البريطانية تقرُّ بأنه كان بريئاً ولم تثبت عليه التهم الأمريكية، مما استدعى بقاءه وتعذيبه بوحشيّة! لذلك فيمكن اعتبار التعويضات إدانة بريطانية للوحشيّة التي تعرّض لها عشرة من مواطنيها! وهذه التعويضات هي خطوة في الاتجاه الصحيح لردِّ الاعتبار لبشر تخلّى عنهم العالم، حتى عندما عرف بأنهم يُعاملون بطريقة ليست إنسانية، في معتقل شيّدته أكبر دولة في العالم تدَّعي الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان! ولو أنّ جميع السجناء الذين أُفرج عنهم وحتى من سيُفرج عنهم فيما بعد، طالبوا الحكومة الأمريكية بتعويضات واعتذارات وردّ الاعتبار لهم، لكان ذلك أحرى بأن يخفف من معاناتهم، بل لعلّ المطالبات بتعويض كلّ من تعرّض للاعتقال والتعذيب، تمنع الجبروت والاستكبار والطغيان أن يعود بأيّة صورة لينتهك حقوق الناس، ويسيء إلى آدميّتهم التي يُفترض أن الأمم المتحدة أول من يدافع عنها! وهنا أرى أنّ ما فعله المعتقلون من إصرار على المطالبة بحقوقهم، وما أنجزه المحامون البريطانيون لهم، يستحق التقدير والاحترام، وهذا أول انتصار يحقِّقه ضحايا سجن غوانتانامو وأتمنى ألاّ يكون الأخير!