تمثل الموارد البشرية عصب الحياة في المنظمات، ولذا فإنّ المنظمات الناجحة تقوم بعدد من الجهود تمهيدًا لعملية اختيار الموارد البشرية وتعيينها، وهو ما يعرف بعملية الاستقطاب Recruiting وهي عملية إيجاد مجموعة مؤهّلة من الكوادر لشغل وظائف
المنظمة (Human Resource Management, Jackson AND Thomson,2006), وقد تكون احتياجات المنظمة من هذه الكوادر حالية أو ربما مستقبلية، خصوصًا إذا توفّرت لدى المنظمة أدوات جيدة للتنبؤ بما سيؤول إليه المستقبل, وتهدف عملية الاستقطاب إلى الوصول إلى أفضل المصادر التي يمكن البحث فيها واكتشاف العناصر الأفضل بين المرشحين, وكذلك حفز وتشجيع العناصر المتميّزة من الباحثين عن عمل للتقدم بطلبات التوظُّف للمنظمة, وأيضًا توسيع قاعدة المعلومات التي تعتمد عليها إدارة الموارد البشرية في البحث عن مرشحين للعمل (إدارة الموارد البشرية, علي السلمي, 2008).
ويتم بناء عملية الاستقطاب وفق ما أسفرت عنه نتائج تخطيط الموارد البشرية، حيث يتم تحديد عدد الاحتياجات البشرية وتوقيت تلك الاحتياجات وأيضًا تحديد مستوى المعرفة والمهارة والقدرة التي يجب أن يتمتع بها الأفراد, وقد يكون الاستقطاب داخليًا، حيث يتم التنقيب عن الأفراد داخل المنظمة أو خارجيًا سواءً عن طريق الإعلان أو التواصل مع المعاهد والجامعات ووكالات التوظيف, وقد تتضمّن عملية الاستقطاب بعض الإجراءات الخاصة كإجراء بعض الاختبارات والمقابلات الشخصية للمتقدمين، من أجل فرزهم والمفاضلة فيما بينهم.
إن تسرُّب الضعف إلى إجراءات عملية الاستقطاب ومعاييرها، سيؤدي إلى انخفاض مخرجات المنظمة، كما سيؤدي إلى انخفاض فاعلية الأنشطة المبذولة من قِبل إدارة البشرية فيما بعد، وذلك لاتسام أنشطة الموارد البشرية بالتكامل والاعتمادية, فليس من الحكمة أن يستقطب القائمون على المنظمة أفرادًا منخفضي المهارة والقدرة والدافعية، ومن ثم يتوهّمون أنّ ما يقومون به من تدريب وتحفيز سيحدث نقلة كبرى وأنه تدارك لما قصروا فيه سلفاً, وعلى النقيض من ذلك فإنّ النجاح في عمليات الاستقطاب والاختيار والتعيين ليست محصلة النجاح التي تسعى إليها المنظمات، وهذه القضية قد لا يحيط بها بعض القائمين على المنظمات، لاسيما أن تلك العمليات لا تستغرق وقتاً أو جهدًا كبيرًا، إذا ما قورنت بالأنشطة الأخرى التي يجب أن تقوم بها إدارة الموارد البشرية لاحقًا, وقد تزداد المسألة صعوبة عند التعامل مع الأكفاء الذين يتمتعون بسجل حافل من النجاحات، أو ينتمون لتخصصات تتسم بالندرة وتتعلّق بصناعات تتسم بالمنافسة الشديدة, ولذا يجب على المنظمات من منظور إستراتيجي أن تدرك أنها ليست وحيدة في الميدان وأن ما تسعى لتحقيقه ربما يسعى المنافسون لتحقيق ما هو أعلى منه, فالمنظمة التي بذلت جهداً ووقتاً ومالاً في توفير الأكفاء من العاملين وأهملتهم ولم تهتم بشؤونهم بعد ذلك، فهي دون شك كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا, حيث سترحل مواردها البشرية إلى منظمات منافسة وإن بقيت فستبقى على مضض وسيكون أثرها سلبياً على ربحية المنظمة وقدرتها التنافسية, بل إن الإدارة الجيدة للموارد البشرية يجب أن تعنى باستبقاء العاملين retention والقيام بعدد من الأنشطة الهامة التي تسهم في الاحتفاظ بهم وتعزز من انتمائهم وولائهم.
إن من أهم الأنشطة التي تساعد على بقاء العاملين، هو خلق ثقافة تشرك الموظف في عملية صنع القرار وتطلق العنان لإبداعاته وتتيح له قدرًا من الحرية, ومن الأنشطة أيضاً الاهتمام بالعلاقة مع الموظفين وعدم التمييز بينهم والعدل في التعامل معهم, كما يمكن للمنظمة تعزيز بقاء العاملين فيها عند تصميم أنظمة العمل من خلال التوفيق بين رغبات الموظف واهتماماته وقدراته، وبين ما تقتضيه مهام الوظيفة المسندة إليه, وكذلك توفير حد معقول من المرونة في أوقات العمل، وكذلك مراعاة مسألة التوازن بين عمل الموظف وحياته, وأيضاً مما يسهم في بقاء العاملين تدريبهم وتطويرهم ورعايتهم وتخطيط المسار الوظيفي لهم على الوجه الذي يكفل النجاح لهم وللمنظمة, وكذلك من خلال إدارة أنظمة التعويضات والحوافز بشكل فعّال.
وختامًا يجدر بنا أن نتذكّر أن إدارة الموارد البشرية جزء من منظومة سلسلة القيمة, ولذا كان لزامًا على القائمين بهذه الوظيفة القيام بكل نشاط ينتج عنه قيمة مضافة تؤثر إيجابًا على أداء المنظمة وقدرتها التنافسية أيًا كان موقع هذا النشاط.
جامعة القصيم - برنامج ماجستير إدارة الأعمال